www.kirkuk.kurdishpoint.com

 

 

عشرة سنوات على مرور التجربة الديمقراطية   في كوردستان العراق في مؤتمر دولي في الدنمارك   

 

 

  عوني الداوودي

كنت أتجاذب أطراف الحديث مع أبينا القس والأديب والشاعر يوسف سعيد تلفونياً، قال لي وبلكنته الموصلية: الأخبار التي تصلني عن الأوضاع في كوردستان والتجربة الديمقراطية مفرحة حقاً وتجعلني فخوراً، وإن كوردستان أصبحت كـ ( الحجر الذي رفضه البناؤون صار رأس الزاوية ـ من رسائل بولص الرسول ) وأضاف تصور يا عوني بعد كل هذا الخراب والتخلف والدمار والظلم الذي وقع على أبناء هذه المنطقة أن تنطلق الديمقراطية من كوردستان لتكون حجر الأساس لبناء المجتمع المدني في عراق المستقبل. قلت: للشيخ الجليل على ما أذكر، إلا تتفق معي بأن إرادة الإنسان ليست لها حدود. قال: بالضبط هذا ما أردت قوله أيضاً، وأقفلنا الخط على أن أتصل به ثانية لنتحدث عن كركوك المدينة التي يعشقها ويحن إليها بشكل يدعو للدهشة، أجواء الستينات وجماعة كركوك الأدبية.

لا يحضرني اسم المفكر الإنكليزي الذي وصف الديمقراطية في إحدى كتاباته، بما معناه : أن نور الحرية الساطع عندما تشع على الشعوب، لها بعض المساوئ، لكن بالإمكان تجاوز تلك السلبيات بإعطاء الحرية أكثر وأكثر لأن التعايش في الأجواء الديمقراطية لا يأتي إلا بالممارسة، ويضرب مثالاً على ذلك في وصفه الحالة، كأن تخرج شخص مسجون في قبو مظلم لمدة طويلة دون أن يرى الشمس إلى السطح في يوماً مشمس، فعيناه لا تستطيع مقاومة نور الشمس الساطع، ولكي يتعود على النور دون أن تؤلمه عيناه عليك أن تتركه في الشمس ليتعود على الحياة الجديدة رويداً رويداً. ويجيب على أولئك الحكام الذين يمارسون السلطة الدكتاتورية بحجة أن شعوبهم متخلفة ولا يستطيعون ممارسة الديمقراطية، يقول: مثلهم مثل ذاك الشخص الذي لم يعرف السباحة فأقسم بأن لا ينزل إلى الماء قبل أن يتعلم السباحة.

فالتجربة الديمقراطية في كوردستان فتيةٍ بعد، وتحتاج إلى الكثير من الدعم وتشجيعها وكذلك إلى النقد البناء لتقويمها، نعم هناك بعض الأخطاء،  وبعض الأمور التي تحتاج المعالجة الجذرية، لكن كل ذلك وبالقياس إلى الوضع في داخل العراق في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة النظام، تكاد تكون كوردستان العراق." الفردوس " وإذا اعتمدنا القياسات النسبية، فالديمقراطية في هذه البقعة من الوطن التي تدعى كوردستان العراق هي أفضل بكثير حتى من بعض دول الجوار، هذا ما لمسته شخصياً في زيارتي الأخيرة في الصيف الماضي إلى كوردستان، لمست رغبة صادقة وجدية من المسؤولين والمثقفين الذين إلتقيتهم، فالتجربة الحياتية والنضالية لهذه الشريحة من أبناء العراق هي التي فرضت نفسها، وأن العيش بسلام في المستقبل يكاد يكون مستحيلاً دون إيجاد الصيغة المثلى للتعايش والتي تتمثل بالديمقراطية والتوجه لبناء المجتمع المدني، وهناك عشرات القوانين التي شرعت لحماية المواطن وممتلكاته، وشكلت وزارتين لحقوق الإنسان في الإدارتين، وتصدر أسبوعياً مئات الجرائد والمجلات، وليست هناك رقابة على الكتب، وحتى جرائد حكومة البعث بإمكان المواطن شراءها من على الأرصفة والمكتبات، والفضائيات منتشرة ومحلات الأنترنيت موجودة في كل مكان، كما شرعت القوانين لتشكيل الجمعيات والمنظمات والأحزاب، ورأيت عشرات المدارس التركمانية في اربيل، والتقيت بعشرات الأصدقاء لي من التركمان والناطقين بالسرسانية من سكنة كركوك في السليمانية وأربيل فسألتهم عن الأحوال فأبدوا ارتياحاً للوضع بشكل عام،  وبناء الكنائس على قدم وساق، وتعليم أبناء إخواننا الكلدوآشوريين بلغتهم الأم في مدارسهم الخاصة تجري دون قيود، وممارسة الشعائر الدينية وطقوس العبادة تجري بشكل روتيني، وما لفت انتباهي أيضاً وجود مقرات للجبهة التركمانية في السليمانية التي لا تنفك في التجني على الكورد ولا تترك سبيلاً للتآمر ضد كل ما هو كوردي، كما شاهدت بناءً ضخماً على الطريق العام عند مدخل السليمانية من جهة كركوك لجامع أو حسينية لأتباع المذهب الشيعي من أيناء شعبنا العراقي الذين فروا من ظلم وجبروت النظام، علماً بأنه لا وجود لا للتركمان ولا للشيعة في مدينة السليمانية تاريخياً، وغيرها من الأمور الكثيرة التي تعتبر من المحرمات في ظل حكم نظام صدام.

 فمهلاً أيها الأخوان فالتجربة الديمقراطية الفتية التي تحاول مد جذورها إلى الأعماق، والتي قطعت أشواطاً بعيدة خلال فترة زمنية قصيرة على الرغم من الاقتتال الداخلي وتدخل دول الجوار السافر في شؤون المنطقة ومخلفات عشرات السنين من الحكم الشمولي وسياسة الأرض المحروقة، هو ليس بالأمر الهين. ترى هل الديمقراطية هي جرعة يتناولها الإنسان ليصبح ديمقراطياً بين ليلة وضحاها؟ وهل المواطن نفسه وبدون استثناء من أي قومية أو دين ومذهب يستطيع هضم الجديد بهذه السهولة وخاصة ما يتعلق بحقوق المرأة والدين، فأوربا لم تتوصل إلى هذه الأجواء الديمقراطية إلا بعد عقود من النضال والممارسة لتلك الحقوق المكتسبة.

 أعتقد علينا كعراقيين أن نساهم ونساعد في ترسيخ هذه التجربة لصالح الجميع " وأن الغصون إذا قومتها تعدلت، لكنها لا تلين إذا كانت من الخشب"  فالنقد البناء مطلوب ومهم لكن المساهمة والمساعدة أهم ،  وما نقرأه يومياً هنا وهناك حول الأوضاع في كوردستان ليس نقداً بقدر ما هي محاولات لتشويه سمعة الكورد والانتقاص من التجربة الديمقراطية، وزرع حالة من عدم الثقة بالآخر نابعة من عدم الحرص على مستقبل العراق والعيش بسلامٍ ووئام .

والمؤتمر الدولي الذي سيعقد في نهاية الشهر الحالي في جامعة أودنيس في الدنمارك، ما هو إلا تقييماً دولياً لهذه التجربة الديمقراطية في بقعة من بقاع العالم التي عدت على مدى عشرات السنين بؤرة من بؤر التوتر في العالم، وما يلفت الانتباه في هذا المؤتمر هو حضور هذا الكم الكبير من السياسيين والأكاديميين والمثقفين من أرجاء المعمورة، وعلى يومين متتاليين سيدلو السيدات والسادة الأفاضل بطروحاتهم وتقييماتهم لمرورعشرة سنوات على  التجربة الديمقراطية في كوردستان العراق، وسيشتمل المؤتمر على محاور عديدة منها، الحماية الدولية للمنطقة، وبرنامج النفط مقابل الغذاء، والاختلافات العرقية في المنطقة، وإعادة تشكيل الهوية القومية للكورد، وأكراد العراق بين المأساة والأمل، والإقتصاد السياسي لكردستان العراق، ودور تركيا في كوردستان العراق، ودور إيران في كوردستان العراق، التنمية الإقليمة، والأكراد في عراق ما بعد صدام حسين، والعلاقات الكوردية بالإدارات الأمريكية والتعامل مع أسلحة الدمار الشامل،  كل هذه الأمور والنقاط ستطرح من قبل نخبة من الأكاديميين وأساتذة الجامعات وسفراء دول سابقين وسياسيين أوربيين وأمريكيين .

وبغض النظر عن كل هذا يسعدنا ويسرنا كثيراً مشاركة الخبير القانوني الدكتور منذر الفضل الذي يتفهم خصوصية المنطقة وخصائص الشعب الكوردي واحترامه للإرادة الكوردية في حقه في اختيار الصيغة التي يراها مناسبة للعيش في عراق المستقبل ألا وهو الخيار الفدرالي، وسيقدم الأستاذ الفضل آرائه وأفكاره حول الفدرالية وايجابياتها لعموم الشعب العراقي في عراق ما بعد صدام حسين .

كما وسيشارك الدكتور محمود عثمان السياسي المخضرم، حول التجربة السياسية في كوردستان خلال الأنظمة العراقية المتعاقبة، وستشترك المحامية مهاباد صالح الناشطة في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة أيضاً في المؤتمر، وهناك العشرات غيرهم .

 Home