الأمة المسلمة ، والظلم

 

الجزء الأول

 


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ..


أما بعد


إن الأمة المسلمة تعيش في وقتها الراهن ظلماً شديداً ، ظلماً عاماً في معظم شؤونها العامة و الخاصة .. ظلماً يكاد يكون ظلماً عظيماً {{ إن الشرك لظلم عظيم }}


الأمة المسلمة ، أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، أمة القرآن تعيش بعيداً عن توحيد الله .. بعيداً عن طاعة الله في كثير من شؤونها .


إن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم بمقتضى تبعيتهم لرسول الله ، واستسلامهم لدين الله ، إنهم بمقتضى ذلك مطالبون بإخضاع أمورهم كلها لهدي كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

لكن ذلك بعيد الآن عن حياة المسلمين وواقعهم .


إننا نعلم من قول ربنا سبحانه وتعالى {{ ألا له الخلق والأمر }} نعلم من هذه الآية ، ومن تفسيرها أنه ليس لأحد أن يتقدم بين يدي القرآن والسنة برأي ، ولا يقول في أي أمر من أمور المسلمين .


نعم إن ذلك الخضوع التام ، والاستسلام لأوامر الدين هي حق محض لله وحده لا شريك له في ذلك . فكما أنه المتفرد وحده بالخلق لا شريك له في ذلك ، فينبغي أن يتفرد بالأمر ، لا أمر لأحد سواه ؛ لأنه هو الذي خلق وحده ، فله الأمر وحده {{ ألا له الخلق والأمر }}


إلا أن واقع المسلمين - بكل أسف - بعيد عن هذا ؛ فتوحيد الطاعة بعيد في حياة المسلمين .

ومعظم المسلمين - إلا من رحم الله وقليل ما هم - يقعون في شرك الطاعة كثيراً .


إن إفراد الله تعالى بالطاعة يقتضي أن يحكّم أمره في كل شؤون الناس ، وألا يشرك به في ذلك .


لا يجوز لمسلم موحّد يعتقد بوجوب التوحيد لله ، لا يجوز له أن يقدّم آراء الرجال ، وآراء الخبراء ، وآراء المستشارين في شؤون الناس ، ويترك أحكام رب العالمين ، وأحاديث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم … ولكن واقع المسلمين غير ذلك !!!


انظر - رعاك الله - في شؤون السياسة التي تحكم بلاد المسلمين في العلاقات الدولية ، وفي أنظمة الحكم .. انظر لترى أين كتاب الله من ذلك ! أين هدي رسول الله ؟؟ أين تقديم قواعد الإسلام ؟
الولاء والبراء  .. الأخوّة الإسلامية .. التناصر بين المسلمين .. أين ذلك من السياسة التي تحكم بلاد المسلمين ؟


وانظر  في شؤون الاقتصاد ، وعلاقات بلاد المسلمين الاقتصادية ، هل حكمت بأحكام الله ؟؟


هل تقدّم فيها قول الله  ، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ؟؟


انظر لميزان المدفوعات بين الدول الإسلامية ، وقارنه بميزان المدفوعات بين البلاد الإسلامية ، ودول الكفر !! هل هذا مراد الله ، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ؟؟


انظر إلى الأحكام الداخلية التي تدار بها شؤون المسلمين . من أين استمدّت تلك الأحكام ؟

هل أحكام القرآن ، وأحكام السنّة ظاهر فيها ؟

أم أن قوانين الكافرين ، وأنظمة الكافرين هي المقدّمة ؟


إنها نظرات مؤلمة لكل مسلم .. نظرات توجع كلّ قلب حيّ ، عندما يرى أحوال المسلمين ، وغربة الدين  وأحكام الدين ، وغربة القرآن  وأحكام القرآن في حياة المسلمين .


إن هذا بعينه هو شرك الطاعة .. إن المسلمين يشركون مع الله غيره في تنظيم حياتهم ، وهذا هو الظلم العظيم {{ إن الشرك لظلم عظيم }}

ويشتدّ ذلك الظلم عندما يدّعي هؤلاء المنحرفون عن أحكام الله ، عندما يدّعون أن آراءهم ، وأهواءهم التي حكموا بها الشعوب الإسلامية هي مقتضى الدين ، وأنها لا تخالف شريعة رب العالمين !!


أي ظلم هذا ؟؟ وأي بهتان هذا ؟؟

{{ سبحانك هذا بهتان عظيم  }}

{{ ومن أظلم ممّن افترى على الله كذباً ليضلّ الناس بغير علم }}

{{ ومن أظلم ممّن افترى على الله كذباً أو كذّب بالحق لمّا جاءه }}

{{ ومن أظلم ممّن ذُكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها }}

من أظلم من هؤلاء الظالمين ؟؟ لا أحد أظلم منهم  .


وهذا الظلم العظيم الذي وقعت فيه الأمة الإسلامية ، سبّب لها الكثير من البلايا والمصائب  والنكبات التي نعيشها الآن . منّا من يشعر بها ، ويحسّها لأن فيه بقية من إحساس . ومنّا من لا يشعر بها لأن إحساسه تبلّد .

ومن تلك البلايا التي تعيشها الأمة  بسبب الظلم التي أوقعها فيه من أبعدها عن هدي كتاب ربها وسنة نبيه ، من تلك البلايا :


أولاً : فقدان الأمن , يقول تعالى : {{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن }}

إن الأمن غائب عن كثير من بلاد الإسلام لأن الإيمان ضعيف ، أو غائب ، ولأن الظلم قائم بالبعد عن أحكام الإسلام .

إن الإيمان عندما يغيب ، والظلم حينما يلبس الحياة العامة يحلّ الخوف بدلاً من الأمن ، وانظر معظم البلاد الإسلامية اليوم .. إنها تعيش قلقاً ورعباً وخوفاً ، إن الأمن غائب عن ربوعها بسبب الظلم الواقع بتغييب تعاليم الدين ، وأحكامه .

{{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن }}


ثانياً : الهلاك العام ، ومن ثم الحرمان من نصر الله . يقول تعالى : {{ وما كنّا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون }}

وهو سبب الحرمان من ولاية الله ونصره {{ والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير }}

كيف ينتظرون نصر الله ، وولايته لهم ، وهم يستمطرون العقوبة صباح مساء ، بمحاربة دين الله ، وأحكام الله ، وشريعة الله ؟؟!!


وهذا الظلم سيبقى سبباً دائماً للحرمان من الهداية ، والبقاء في الضلالات {{ والله لا يهدي القوم الظالمين }}


وهم مهدّدون  بعد ذلك باللعن والطرد من رحمة الله {{ فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين }}

ومع ذلك فإن النظر لا يزال مفتوحاً للعبرة والاتعاظ بحال الظالمين الذين هلكوا ، لعل الظالمين يراجعون أنفسهم , يقول تعالى : {{ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين }}


إنها سنّة الله ماضية بإهلاك الظالمين ، سنّة يستفيد منها أولو   الألباب الذين يتعظون بغيرهم ..


إنها سنّة ماضية بسوء عاقبة الظالمين . وإذا لم يتوبوا ويرجعوا فإن العقوبات منتظرة {{ وما هي من الظالمين ببعيد }}  ..

 

 

الجزء الثاني

 

 

الحمد لله وكفى .. أما بعد

فإن الظلم الذي تعيشه الأمة الإسلامية ، ظلمها لنفسها الذي تجرعت مرارة عقوبته ، ولا تزال .


إن هذا الظلم المتمثل في بعدها عن تحكيم دين الله في كل شؤونها سيبقى ، وإن آثاره ستبقى ، بل إن الأمة كلها مهدّدة بالعقوبات المهلكة ما لم تراجع نفسها ، وتراجع دينها ، وهذه المراجعة تقتضي عدداً من الأمور .


أولها : أن نعلم علماً يقينياً أن ديننا الإسلامي نظام شامل لكل شؤون حياتنا ، وأنه قادر على تنظيم كل شؤوننا ، صغيرها وكبيرها .. وأقول هذا الشرط لسبب مهم هو أن بيننا من أبناء الأمة من يعتقد أن اتباع الدين ليس عاماً لكل أمور الحياة ، وأن شؤون السياسة والاقتصاد والعلاقات مثلاً ليست محكومة بأحكام الله ..


إن هذا الاعتقاد يحول بين من يعتقدونه ، وبين الاستجابة لأمر الله ؛ لأنهم يظنون أن النظم المستمدّة من غير القرآن والسنة يمكن تطبيقها في بلاد المسلمين !! وما دام هذا الشعور موجوداً فإن الإصلاح سيتعثّر ، وإن الشرك ( شرك الطاعة ) سيبقى بيننا ، وستبقى عقوباته مهدّدة لنا .


الأمر الآخر :

أن الرجال الصالحين في دينهم فقط ، مع عدم معرفتهم بأمور الاختصاص سواء في السياسة أو الاقتصاد أو نحوها .. أو الرجال المتخصصين ، مع عدم معرفتهم معرفة جيدة بأحكام الدين ..


إن كلا الصنفين من هؤلاء الرجال غير مؤهل بالنهوض بالأمة في أي شأن من شؤونها .


إن الأمة بحاجة إلى رجال من أبنائها ارتفع علمهم بدينهم بأدلته الصحيحة ، وارتفع مستواهم في التخصصات المختلفة ، وهذا الصنف من الرجال هو حاجة الأمة اليوم لتواجه بهم مشكلات التخلّف والضعف من جهة ، وتواجه بهم التبعيّة والذوبان في التيارات العالمية المخالفة للإسلام .

إن معظم بلاد العالم الإسلامي اليوم تشعر بضعفها وتخلّفها في معظم شؤون الحياة .


ومعظم بلاد المسلمين تعمل وتبحث عن سبل النهضة والرقيّ .


ولكن الإشكال القائم هو أنها تبحث عن النهضة عند غير المسلمين !!

إن أولئك الكافرين أعداء ، وإن تلاميذهم من العلمانيين أعداء ، لأن جميع أولئك لا يرون ضرورة الخضوع أمر الله ، وتنظيم شؤون الحياة وفق أوامره سبحانه وتعالى .


{{ ألا له الخلق والأمر }}


إن عزة الأمة وقوّتها جزء من الدين ، ومن مقاصد الدين .

ولن تتحقق تلك القوة والعزة على أيدي أعداء الدين ، سواء كانوا الأعداء الأصليين ( اليهود والنصارى والشيوعيين) أو الأعداء الموكلين بالنيابة ( العلمانيين والليبراليين ) .


إن عزة الأمة وقوتها لن تتم إلا على أيدي أبنائها المؤمنين بدينها على علم وبصيرة .. الذين يعرفون القرآن والسنّة ، ومقاصد القرآن والسنّة ، وضرورة الالتزام بالقرآن والسنّة .


أما الذين يعرفون القرآن في المسجد ، ولا يعرفونه في الوزارة !! أو الذين يعرفون القرآن في المسجد ، ولا يعرفونه في البنك ، إن هؤلاء الموظفين لن يحققوا للأمة عزها .

 

 

 

الشيخ سعيد آل زعير فك الله أسره