نشأة الكون

بداية الكون لغز كبير يحير العلماء منذ عدة قرون .. ونهايته لغز أكبر .. وقد افترضوا عدة نظريات لهذه البداية وتلك النهاية .. تأتى فى مقدمتها العلة والمعلول والصدفة ونوسان الكون والانفجار العظيم .. وركزوا فى تفسيرهم للنهاية على أن الكون ليس أزليا وأن شد الجاذبية سوف يوقف التمدد الحالى بين كل المواد الكونية بحيث ينتج عنها انهيار كلى أو انكماش كبير كما يطلقون عليه دلت الأبحاث بعلماء القرنين الثامن والتاسع عشر إلى استنتاج أن الكون يسيره قانون العلة والمعلول . وهنا تهافت العلماء الملحدون على هذا القانون وزعموا بديل لوجود الإله ، رغم أن مكتشفوه لم يزعموا ذلك فقد ؛ قال نيوتن : هذا هو أسلوب الله فى العمل ، فالله يجرى مشيئته فى الكون بواسطة أسباب وعلل . وهكذا ظهرت إلى حيز الوجود نظرية للتفسير الميكانيكى للكون وأصبح من الحقائق المسلم بها أن جميع وقائع الكون تحدث بسبب علل مادية ، وأن الكون كله مثبت فى سلسة العلة والمعلول ، وهذه إحدى المسلمات المعروفة فى القرن التاسع عشر ، ولكن نشوة هؤلاء المفكرين لم تدم طويلا لأن القرن العشرين كان فاتحة لكثير من الحقائق الجديدة فى مجال العلم الحديث ، والتى كادت أن تبطل تماما التفسير الميكانيكى للكون وعلى سبيل المثال فان الراديوم عنصر مشع وإليكتروناته تتحول إلى حطام تلقائى بعمل الطبيعة ، وغير ذلك . بعد فشل العلة والمعلول فى مسايرة التقدم العلمى طرح تفسير آخر لنشأة وبداية الكون يقوم على أساسين هما : قانون الصدفة و قانون التعليل .. ومفاد هذا التفسير أن الكون لم يكن له وجود قبل @ 2 ، 000 ، 000 ، 000 ، 000 ، 000 سنة وأنه لم يكن فى الكون حينئذ من مكونات الكون الحالية من النجوم والكواكب ، وأن المادة لم تكن متجمدة بل كانت منتشرة فى مكان ما من الفضاء الفسيح فى صورة الذرات الأولية والتى يمكن تشبيهها بغبار ذرات متناهية كانت تغمر الكون كله ، وكانت المادة فى حالة توازن تام حينئذ دون أى حركة إطلاقا. وكان هذا التوازن على حد تعبير الرياضيين حرجا بمعنى أن أى خلل فيه مهما كان ضعيفا كان كافيا لتبديد ذلك التوازن للأبد وأن ذلك الخلل كان سيكبر وينتشر حتما بعد أن وقع للمرة الأولى فإذا سلمنا جدلا بوقوع هذا الخلل الأول الذى حرك المادة : فإنه يدعون بعد ذلك أن جميع الحوادث التالية يمكن إثباتها بالرياضيين على أنها نتاج صدفة ولكن وقف فى وجه هذه النظرية عدة اعتراضات منها : مادام الكون لم يكن إلا مادة راكدة ركودا تاما فمن أين جاءت هذه الصدفة التى حركتها ؟ مع أن هذا الحادث لم تكن له أى أسباب موجودة لإدخال المادة أو إخراجها . وشىء آخر:أن الكون إذا كان مرهونا بوقوع بعض المصادفات فكيف نفسر اضطرارا على الوقائع على نهج طرق معينة ثابتة نهجتها بالفعل ، ولولا هذا المنهج لما كنا اليوم موجودين وحينئذ طرح مبدأ التعليل الذى مفاده : أنه بمجرد وقوع الحركة الأولى فى مادة الكون الراكدة وجدت فى الكون سلسلة العلة والمعلول تلقائيا التى تحدث بمقتضاها كل وقائع الكون. وكان إثبات قانون التعليل كقانون أساسى للطبيعة من أهم أحداث القرن السابع عشر.ومن ثم بدأت حركة علمية كان وأن تثبت أن الكون له ماكينة واحدة وقد وصلت هذه الحركة إلى أوجها فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر حيث أعلن "هيلم هولتز" : أن الهدف النهائى لجميع العلوم الطبيعية هو أن تنقل نفسها إلى الميكانيكا وهنا أخفق العلماء فى تفسير جميع ظواهر الكون فى ضوء هذا المبدأ .