لقطات نقدية على قصيدة هل تسمع صهيل أحزاني
قلم أمل عمر-الإمارات-فلسطين
إني لا أحمل سكينا أشرح جسد القصيدة..أو حتى أجرحها لتسيل دماء الشاعر من عروقها، إني أحاول أن أحمل مصباحا بين طرقات القصيدة، ألقي به النور على صورة توارت خجلاً..أو التقي فكرة شاردة أو قافية تتسلل هاربة، فأسجل بكاميرا قلمي لكم هذه اللقطات، وأوقعها جميعا " لولا الشعر ما كان النقد..ولولا النقد ما كان جمال الشعر" أمل عمر
"طبعا ..القصيدة والشاعر!! مع أن القصيدة طويلة جدا! "
وزع الشاعر قصيدته على خمسة مقاطع، سنتناولها بإيجاز كما يلي:
(1)
يأخذنا الشاعر في هذا المقطع إلى محطة القطار ليخلق جوا تصفر فيه ريح الفراق' ولعل اختيار محطة القطار لتصوير الوداع والفراق ليس جديدا لكن الشاعر نجح في إضفاء بصمته الخاصة على التشبيه التقليدي، ومن ذلك قوله:
يقف عند المحطة ويحمل معه
أخا لي، صديقا ويمضي به
كما يمضي السحاب بالمطر
فأن تكون المحطة سحابا وأصدقاء الشاعر المطر تشبيه غاية في الجمال والرقة ولو فكرنا في المطر كدلالة خير ونجدة للأرض اليباب فإن أصدقاء الشاعر هم رسل الخير أينما رحلوا وارتحلوا.
وفي قوله :
أسمع اغنيات فراق يعزف لحنها …من جيتار ممزق الوتر
يتراءى لي قمة الألم وأحس كأن وجدان الشاعر هو الذي يعاني التمزق..فكلمة ممزق قوية التأثير ووفق الشاعر في اختيارها وموضعها.
في أول القصيدة يقول الشاعر : يصفر أمام عيني..والصفير يخاطب الحاسة السمعية أكثر من البصرية لكن لعل الشاعر أراد التعبير عن تواجده الحسي قرب القطار.
يبقى في هذا المقطع حديث الشاعر عن رياح الوداع التي تطرق أبواب كآبته..الموجودة أصلا..أي لم يخلقها الوداع ..فلا أثر جديد لها إلا أنها تركته أسيرا للضجر من جديد!!
(2)
انطلاقا من الفكرة في المقطع الاول..فإن الشاعر نفسه تتولد لديه رغبة في الرحيل، لكن هذه المرة إلى مكان لا يعرفه أو لا يعرف فيه أحدا، ربما كي لا يعيد مسلسل الفراق ..حتى أن من سيقف في وداعه هم سنابل القمح والبرتقال لكأنه لم يعد هناك من يودعه من أصدقاء وأحباب، لكن في قوله "كم وددت أن تصبح أحلامي حقيقة ، لا وهما ، لا خيالا ، لا سراب" أعطاني إيحاء بالهروب أكثر من ردة فعل ورغبة في الرحيل..فالأحلام لا تتحقق بالمضي إلى مكان لا تعرفه أو تعرف فيه أحدا..فكأنه بذلك يعبر عن عجزه المبرر فيطرح فكرة دخيلة على السياق الحالي وإن كنا سنراها لاحقا.
لم يخل المقطع من تصاوير جميلة ومنها جوقة الوداع التي اختارها الشاعر لنفسه، ومن قبل قوله :"كم وددت أن اترك كوخي القابع في غابات أحزاني" وقمة اليأس والتشاؤم في قوله " كل الأغاني لم تبن غير جسور الانتحار"
تعليقي البسيط : "دموع برتقال سالت من أعين البيادر" ..نقول كرم عنب وبيدر قمح وحقل برتقال..فهل من الصواب قول : بيادر برتقال؟!
(3)
مرة أخرى في التسلسل الشعوري..فإن من تولدت لديه رغبة الرحيل..فإنه إن رحل وإن لم يرحل حتى..فقد أمسى غريبا ..لأن المنفى الداخلي أكثر حقيقة من النفي الفعلي..وهذا ما يوصله الشاعر في هذا المقطع ، ولعل أجمل ما فيه قوله "أنبأتني الحياة أن الحياة.." فهذا أسلوب رشيق ومن أقدر أن يقول عن الحياة أكثر من الحياة نفسها؟
(4)
في هذا المقطع والذي يليه يناجي الشاعر نفسه وأخا أو صديقا أو حبيبا وكل ما يريده من العالم أن يسير وحده ويتركه يسير مع من يناجي بسلام!!! وهذا طلب معبر وله عمق فلسفي نحن في غنى عنه هنا!
(5)
لا تعليق!! لكأني عشت معه تلك الطفولة! المشهد من الذاكرة قمة في الرقة والبراءة والبساطة. لوحة رسمها بألوان وأصوات هادئة ناعمة. وأستطيع تنسم الأمل والبشر من قوله " الطرق تزداد اتساعا كلما سرنا فيها" "والصداقة تعود شبابا ونضارا ووفاء" لكن أتساءل..هل تشيخ الصداقة؟ وإن شاخت ..فهل تموت؟
(6)
عاد للحزن من جديد! لكن بنيرة فلسفية ومتذمرة ولائمة يبرر بها الأحلام التي صارت سرابا والتي سبق ذكرها آنفا، فالعيب للزمان وللفاعل الغير المصرح به الذي يحظر كل هذا المحظور!
"أرصفة الشوارع الصامتة تطلق مع رياح الشتاء صفير الأحزان" لكأنها تخزن الأحزان خوفا لتطلقها في الشتاء مكممة بالصفير! "بيوتنا التي يطمرها النعاس" ..من الملام هنا؟
الفكرة التي يطرحا الشاعر مكررة وتدور في نفس كل منا ..هي تعبير عن واقع نعيشه ولا نملك إزاءه إلا الشكوى أحيانا ..حتى أنه يقول " وكل الوقائع التي تفرض نفسها أمرها علينا سائد"..فمتى ننفض النعاس؟ و "فكله حزيران" دلالة سياسية تؤكد ما ذهبنا إليه في المعنى"
ما آخذه على الشاعر هنا قوله " محظور السير في الشوارع..عند الحانات والكنائس والمقاهي وجدران الجوامع" فأي مدينة تلك التي يعيش بها الشاعر فتعج بالحانات والكنائس؟ لكن حين أعيد التفكير أجد أن مدننا في الواقع أمست كذلك!! لكن بالأصل أول انطباع آخذه هو عن خلفية الشاعر الاجتماعية والدينية.
"فالموت هنا له طعم ولونان..لون موت من الوقت وآخر موت خلفه حياة..بعدها لا موت"..فكلنا أموات ننتظر حياة بعدها لا موت!
تحياتي للشاعر وتمنياتي بدوام التوفيق..وأذكر دائما..هي مجرد لقطات !!!