غرناطَة

 

في مدخل ( الحمراء ) كان لقاؤنا ..

ما أطيبَ اللُّقيا بلا ميعادِ

عَيْنَانِ سَوْدَاوانِ .. في حَجَريْهِما

تتوالدُ الأبعادُ من أبعادِ ..

هل أنتِ إسبانيَّةٌ .. ساءلتُها

قالتْ : و في غرناطةٍ ميلادي ..

غرناطةٌ ! و صَحَتْ قرونٌ سبعةٌ

في تَيْنِكَ العينينِ .. بعدَ رُقادِ

و أميَّةٌ .. راياتُها مرفوعةٌ

و جيادُها موصولةٌ بجيادِ ..

ما اغربَ التاريخَ .. كيف أعادني

لحفيدةٍ سمراءَ .. من أحفادي

وجهٌ دمشقيٌّ .. رأيتُ خلالَهُ

اجفانَ بلقيسٍ .. و جيدَ سُعادِ

و رأيتُ منزلَنا القديمَ .. و حجرةٌ

كانتْ بها أمّي تمدُّ وسادي

و الياسمينةَ ، رُصِّعَتْ بنجومها

و البِرْكَةَ الذهبيَّةَ الإنشادِ ..

*

و دمشقُ .. أين تكونُ؟ قلتُ تَرَيْنَها

في شَعْركِ المنسابِ نهرَ سوادِ

في وجهكِ العربيِّ ، في الثغر الذي

ما زال مختزناً شموسَ بلادي

في طِيب ( جنّات العريفِ ) و مائها

في الفُلِّ ، في الريحانِ ، في الكبَّادِ

سارتْ معي .. و الشَعْرُ يلهثُ خلفها

كسنابلٍ تُركتْ بغير حصادِ ..

يتألَّقُ القُرْطُ الطويلُ بجيدها

مثلَ الشموع بليلةِ الميلاد ..

و مشيتُ مثل الطفل خلف دليلتي

و وراءيَ التاريخُ .. كومُ رمادِ ..

الزخرفاتُ أكادُ أسمعُ نَبْضَها

و الزركشاتُ على السقوفِ تنادي

قالتْ : هنا الحمراءُ .. زَهْوُ جدودِنا

فاقرأ على جدرانها أمجادي

أمجادُها !! و مسحتُ جرحاً نازفاً

و مسحتُ جرحاً ثانياً بفؤادي

يا ليتَ وارثتي الجميلةَ ادركتْ

أنَّ الذينَ عَنَتْهُمُ أجدادي ...

*

عانقتُ فيها عندما ودَّعتُها

رجلاً يسمَّى ( طارقَ بنَ زيادِ ) ..

عودة الى نزار قبانى( شعر)