الكتاب المقدس مفتاح العلم وأسرار الكون

THE HOLY BIBLE  KEY OF SCIENCE

AND SECRETS OF THE UNIVERSE

 

 
 

 

 
 

 

الكتاب المقدس مفتاح العلم وأسرار الكون

THE HOLY BIBLE  KEY OF SCIENCE

AND SECRETS OF THE UNIVERSE

بقلم

مجدى صادق

 

www.oocities.org/theholybiblekeyofscience

www.oocities.org/thelogoscenter

magdy2014@hotmail.com

 

الطبعة الأولى أكتوبر سنة 1992

الطبعة الثانية الإلكترونية مزيدة ومنقحة

 

 

هذا الكتاب مفتوح أى أن نسخه وترجمته لا يعد مخالفاً للقانون إلا أنه لا يحق لك التعديل فيه مطلقا, ولكن إذا رغبت فى إعادة نشره وتوزيعه لأغراض الخدمة فيجب الحصول على نسخة محدثة منه من المؤلف فإذا كان إعادة النشر لإغراض تجارية فإن جميع حقوق الطبع والنشر والترجمة تكون محفوظة للمؤلف.

 

 

                                      الفهرس                          الصفحة

                                      الفهرس                                  5

                                        تقديم                                    7

                                        تقريز                                    9

                                        مقدمة                                   11

                                     القسم الأول

الصراع الظاهرى بين العلم والدين

 تمهيــد        :  نشأة الصراع الظاهرى بين العلم والدين                    15

 الفصل الأول      :  الصراع بين الكنيسة وعلماءالمصريات                    20

 الفصل الثانى     :  الصراع بين الكنيسة والنظرية الداروينية                   22

 الفصل الثالث     :  الصراع بين الكنيسة وعلماء الماسـونية                  30

 القسم الثانى

أسرار الخلق والتكوين

 الفصل الأول      :  العالم كون من نور                                        37

 الفصل الثانى     :  العالم كون من مادة متحركة                               38

   المبحث الأول   :  المحرك الأول                                              38

   المبحث الثانى   :   المجال الموحد                                            40

   المبحث الثالث   :  الثقوب السوداء ونهاية العالم                             42

 الفصل الثالث      :  العالم كون من مادة غير منظورة                         45

 الفصل الرابع      :  العالم كون من تكاثف أعفار ترابية                       47 

 الفصل الخامس    :  مصادر أنوار اليوم الأول والرابع                          51

     المبحث الأول  :  مصدر نور اليوم الأول                                    51

     المبحث الثانى  :   مصادر أنوار اليوم الرابع                                56

 القسم الثالث

 السموات الثلاث وموقعها فى الفلك

                                        تمهيد                                    61 

 الفصل الأول      :  السماء الأولى سماء الأرض                               62

 الفصل الثانى     :  السماء الثانية سماء السموات                             63

 الفصل الثالث     :  السماء الثالثة                                              64

                       موقع الفردوس                                            64

                       المقصود بأقاصى الشمال                                  67

                       أهـــم المراجـــع                                   69

                        صـــدر للمؤلـــف                                 71

 
 

 

 

تقديم

 للأستاذ الدكتور زكى شنوده

مدير معهد الدراسات القبطية

     لقد أثار إعجابي هذا البحث الذى قدمه الأستاذ مجدى صادق خريج معهد الدراسات القبطية والحاصل علي ماجستير هذا المعهد وعلي دبلوم العلوم اللاهوتية وموضوعه " الكتاب المقدس مفتاح العلم وأسرار الكون " وهو يتضمن البرهان الكتابي والعلمي علي التوافق بين الكتاب المقدس والعلم. كما يتضمن بحوثا أخرى تتناول حقيقة عملية الخلق وحقيقة جوهر الخالق, ومواضع السموات من الكون, وهي أبحاث عويصة ظلت علي مدى التاريخ موضع اجتهاد العلماء والفلاسفة ورجال الدين وكانت مثارا لكثير من الخلافات والمجادلات بين أصحاب المذاهب المتباينة.

     ولقد اعتدنا من الأستاذ مجدى صادق تصديه للموضوعات الصعبة العويصة العسيرة التناول, ولكنه فاق في هذا البحث كل أبحاثه السابقة إذ وجد في نفسه الجرأة علي اقتحام هذا الميدان الذى لا يجترىء علي خوضه إلا كل دارس متمكن من كل فروع العلم واللاهوت.

    والحقيقة أنني لمست فيه القدرة علي البحث والإخلاص في استيعاب كل المراجع التي تعينه علي الوصول إلي نتائج يمكن الإطمئنان إليها. فمهما كان الموضوع صعبا وعسيرا أستطاع الأستاذ مجدى صادق أن يتناوله بطريقة بارعة مقنعة ترسم للقارىء علي الأقل بداية الطريق إلي المعرفة العميقة والإقتناع الكامل.

     فما من شك في أن القارىء لهذا البحث سيدرك مدى اتفاق الكتاب المقدس مع آخر ما وصل إليه العلم, وسيدرك الكيفية التي خلق الله بها العالم  بل سيدرك حقيقة كنه هذا الخالق العظيم وسيدرك مكاننا نحن أبناء هذه الأرض من الكون الشاسع المحيط بنا وأمكنة السماوات التي تحدث عنها الكتاب المقدس والتي لا يفتأ العلماء يحاولون استقصاء ما تحويه من عوالم عديدة بعيدة الغور ومن سماوات متفاوتة الدرجات لا تحدها أمام الناظر إليها حدود ولا يدرك الباحث عنها نهاية.

     ولا يسعني إلا أن أهنىء الأستاذ مجدى صادق علي هذه الأبحاث العميقة الدقيقة راجيا له كل توفيق في أبحاثه القادمة.

زكى شنوده

  

تقريز

للعالم الكبير الأستاذ ميشــيل تكلا

من مقال نشر بجريدة وطنى فى 21/11/1993

تحت عنوان

 الحقائق العلمية فى الكتاب المقدس

     الكتاب المقدس زاهر بالحقائق العلمية النافعة الخاصة بخلق الكون وما فيه من مجرات وكوكبات وسدم وأنظمة شمسية تدور حولها الكواكب ثم تدور حول نفسها مكونة أياما وليالى وسنين تختلف عن بعضها البعض إختلافا كبيرا حسب قربها أو بعدها عن نجم الشمس الذى تدور حوله. بجانب تلك الظواهر الطبيعية التى يمتلىء بها الكون والتى حيرت العلماء على مر الأزمنة والعصور.

      وفى عصرنا الحالى عصر العلوم والتكنولوجيا وبفضل وجود الكمبيوتر أمكن تحقيق تطور سريع فى شتى مجالات العلوم الفلكية والفيزيائية والطبيعية والإنسانية والبيولوجية والجيولوجية والأكلوجية وغيرها.

     وقد صدرت عدة كتب فى السنوات الأخيرة تثبت بالدليل العلمى القاطع كل مرحلة من مراحل الخلق الخاصة بالكون عامة وبكوكبنا الأرض خاصة بوصفه الكوكب الوحيد الذى فى نظامنا الشمسى الذى ازدهرت فيه الحياة بينما انعدمت فى الكواكب الأخرى.

     من أبرز الكتب التى صدرت فى هذا المجال كتابان الأول " الكتاب المقدس مفتاح العلم وأسرار الكون " والثانى " المسيح الدجال الخطر القادم " وهما للأستاذ العالم مجدى صادق قدم لهما المستشار زكى شنوده.

     إن الدراسة المتأنية التى قام بها العالم الأستاذ مجدى صادق بالنسبة لأيام الخلق لجديرة بكل تقدير وإعجاب لما أثبته من مقدرة فائقة على برهنة الحقائق العلمية التى امتلاء بها الكتاب المقدس والتى تطابقت تماما مع الأزمنة المختلفة فى بحوث العلماء فى الشرق والغرب .. وفسر بكل جلاء ووضوح الرؤية لكل مرحلة من المراحل وحدد بالضبط تاريخ كل حقبة واسم العصر الذى مرت به وأشار إلى الزمن الجيولوجى المطابق والذى يعد جوهر البحث.

    من أبرز أبواب هذا الكتاب ذلك الخاص بأسرار الكون والتكوين وطبيعة الكون ومادته المتحركة غير المنظورة التى كونت أصلا من أعفار ترابية وغازات. كما أفرد المؤلف فصلا كاملا حلل فيه مصادر الأنوار فى اليومين الأول والرابع للخلق متمشيا مع كل كلمة وآية جاءت فى سفر التكوين وشرح بدقة العالم المتمكن التقسيم الكتابى للسموات وموقعها فى الفلك وحدد موقع السموات الثلاث على أسس علمية مسترشدا فى ذلك بمفتاح أسرار الكون أى الكتاب المقدس وكاشفا عن العديد من الأسرار الكونية وعن موقع أورشليم السمائية.

     فى كتابه الثانى يتحدث المؤلف عن حقيقة الأطباق الطائرة ومدى خطورتها على الجنس البشرى.

     والحق يقال أن المؤلف تعمق فى دراسة الكتاب المقدس وجاءت جميع بحوثه ونظرياته وآرائه صائبة تدعمها الحقائق العلمية الثابتة ويقبلها العقل من أول وهلة.

                                                                 ميشيل تكلا

 

مقدمة

    إن الهدف الأساسى من إصدار هذا المؤلف هو الكشف عن بعض ما تضمنه كتابنا المقدس من حقائق علمية متعلقة ببعض الظواهر الكونية التي لم يصل العلم بعد إلي تحقيقها وأظهرها الكتاب لتكون شاهدا علي أنه وحده وبحق الكتاب الذى لكل العصور كتاب الله الحقيقي الذى من خلاله يعلن عن ذاته وملكوته وأسرار كونه ليكون شاهدا له في كل عصر.

     ينقسم هذا المؤلف إلي ثلاثة أقسام رئيسية كالتالي :

     في القسم الأول عالج المؤلف موضوع الصراع الظاهرى بين العلم والكتاب المقدس متتبعا تطوره في معركتين من أهم تلك المعارك وأشرسها والتى أسفرت كالعادة عن ثبوت خطأ النظريات التي استهدفت النيل من صحة ما تضمنه من حقائق ولتقدم في ذات الوقت أقوى الأدلة والشهادات علي صحة الكتاب المقدس وسلامته.

      وفي القسم الثاني عالج المؤلف المسائل المتعلقة بأسرار الخلق والتكوين وأصل العالم وجوهره وعن كيفية تكون الأرض والكواكب والنجوم وعن ماهية نور اليوم الأول ومصدره وغير ذلك من الأسرار التي ما زالت مستغلقة علي علماء هذا الدهر.

     وفي القسم الثالث من هذا الكتاب استعرض المؤلف التقسيم الكتابي للسموات محددا مواقعها في الكون وذلك علي أسس علمية وكتابية.   

     الرب قادر أن يجعل من هذا الكتاب بركة تؤول لخلاص الكثيرين بالنعمة لمجد الله مخلصنا.

                                                                      مجدى صادق

                                                                        

القسم الأول

الصراع الظاهرى

 بين العلم والدين

  تمهيد

نشأة الصراع الظاهرى بين العلم والدين

     سعى أعداء الأيمان والمعادين لله والكنيسة إلى محاولة إثارة الشكوك حول صحة وسلامة الكتاب المقدس من خلال دعايات مغرضة بأن الكتاب المقدس يناقض العلم وأنه لا وفاق بين الدين والعلم.

     إلا  أن تلك الدعايات المغرضة مفندة فى ذاتها فالكتاب المقدس هو كتاب التحديات الذى تحطمت على صخرته كل سهام إبليس الملتهبة.

     كما أن الكنيسة كما تثبت وقائع التاريخ هى التى حملت لواء المعارف الدينية والفلسفية والعلمية.

     فالمحقق تاريخيا أن رجال الكنيسة هم الذين إضطلعوا بالأبحاث العلمية والدينية والفلسفية من منطلق أن العلم والدين والفلسفة الحقة كل متكامل والخلاف بينهم منهجى فى وسيلة المعرفة.

     فالمنهج الدينى للمعرفة يبدأ بالإيقان بأمور لا ترى وصولا إلى  يقين العلم لأنـه بالإيمـان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله حتى لم  يتكون ما يرى مما هـو ظاهـر ( العبرانيين 11 : 3 ) .

     أما المنهج الفلسفى والعلمى فإن كل منهما يبدأ من الظاهر ليصل إلى غير الظاهر من خلال إدراك العلل والمسببات وصولا للعلة الأولى.

     فالدين والفلسفة والعلم الصحيح كل متكامل فمن خلال الإيمان أو الدين ندرك وجود الله ومن خلال الفلسفة نصل إلى يقينية وجـود محرك أول وبالعلم نتوصل إلى حقيقة وجود دائـرة النـور الكونـى.

     وهكذا نرى أن الدين والفلسفة والعلم مجمعين على وجود ذات عليا أو علة أولى  أو مصدر كونى هو العلة الذى به كان كل شىء وبغيره لم يكن شىء مما كان وأن الكون به يدار وفق نظام غاية فى الدقة والإبداع.    

     فإذا كان ذلك كذلك فما منشأ الصراع الظاهرى بين العلم والدين ؟

     الواقع أن منشأ هذا الصراع هو ظهور ما يعرف بالتنظيم الماسونى السرى  الوريث الشرعى للغنوسية الوثنية القديمة.

      وقد تستر عمال الماسونية  بثياب الفلاسفة والعلماء الذين أعادوا صياغة ذات النظريات الغنوسية القديمة فى قوالب علمية ليضادوا بها الحق الكتابى.

    وبسبب هؤلاء الأدعياء نشبت صراعات حامية بينهم وبين علماء الكنيسة.

   وقد افتضح أمر هؤلاء العملاء وانتماءاتهم الماسونية عندما افتصح أمر بروتوكولاتهم المعروفة ببروتوكولات حكماء صهيون وجاء فيها ما نصه :

     " إن الطبقات المتعلمة .. ستأخذ بدون وعى فى مزاولة المعرفة التى حصلت عليها من المعرفة التى قدمها إليهم عمالنا لتوجيه عقولهم صوب الإتجاه الذى رسمناه. لا تظنوا أن أقوالنا غير مرتكزة على أساس أنظروا مذاهب داروين وماركس ونيتشة هذه المذاهب جميعها من صنعنا ".

     ولقد اعتقد أعداء الإيمان أن كتابنا المقدس لن يصمد في مواجهة ما أسموه نقدا علميا فأنكروا الخلق وقالوا بالنشوء والإرتقاء والتطور تلك النظرية المستمدة من  عقيدة وحدة الوجود الهندوسية وأنكروا حداثة ظهور الإنسان علي الأرض التي حددها الكتاب المقدس بأربعة آلاف سنه قبل الميلاد المجيد وقالوا بقدمه وإستنكروا إمكانية وجود النور في اليوم الأول قبل أن تضيء الشمس والنجوم في اليوم الرابع إلي أن كانت سنة 1910 عندما اكتشف العلماء وجود أشعة من النور الكوني غير المرئي بينت الأبحاث العلمية الحديثة أنها علة ما يعرف بظاهرة الأنوار القطبية أو الأورورا[1] تلك الأنوار التى يتم مشاهداتها فى المناطق القريبة من القطبين بسبب ما يحجزه مجال الأرض المغناطيسى من الأشعة الكونية والتى تضىء السماء بأنوار خلابة تتدلى كالستائر ذات الألوان العجيبة.

     هذه الأنوار هى علة نور اليوم الأول التى أضاءت الأرض فى حقبة ما قبل اشتعال الشمس لتضىء على الأرض.

     وقالوا بغير ذلك من الإعتراضـات والإنتقـادات التي فندت بالكامل لأن الله أبدا لا يترك نفسه بلا شاهد وفي كل جيل يظهر نفسه بما يناسب العصر حتى يزيل الشك ويهدى الأذهان إلي معرفته حتى يستد كل فم ويصير المعاندين بلا عذر تحت دينونة الله العادلة.

     فالكنيسة إذن لم تقاوم العلم والعلماء بل قاومت المخالفين من أدعياء العلم والملحدين والمبتدعين من أصحاب الآراء الكفرية والنظريات الهدامة التي تذرعت بالعلم لهدم الدين عن طريق إثارة الشكوك حول صحة ما جاء في الكتاب المقدس.

     فالصراع بين العلم والدين إذن هو صراع ظاهرى والبرهان علي ذلك هو أن أكثر العلماء الذين وضعوا أوروبا علي مشارف العصر الحديث كانوا من طبقة الرهبان ورجال الكنيسة ويكفي كمثال أن نذكر أن نيقولا كوبرنيكوس الفلكي البولندى الشهير مؤلف كتاب " دوران الأجرام السماوية " الذى نشره سنة 1542 كان كاهنا لكاتدرائية فراونبرج وهو أول القائلين فى العصر الحديث بمركزية الشمس وبدوران الأرض وسائر كواكب المجموعة الشمسية حولها وأن مجموعتنا الشمسية واحدة من المجموعات النجمية التى تتشكل منها مجرتنا.   

     وهناك أيضا القس جريجور مندل قس برون بالنمسا هذا الذى جمع بين رهبانية الأديرة ومعامل البحث العلمى التى قادته إلى التوصل والكشف عن قوانين الوراثة سنة 1865 والتى جاءت مؤيدة للكتاب المقدس وداحضة لنظرية داروين ودى فريز فى التطور وهى كما جاء فى البروتوكولات ذاتها لا يمكن أن تكون صحيحة لكونها غير قائمة على أساس تجارب الماضى وغير مقترنة بملاحظات الحاضر.

     أما جاليليو وكان من علماء اللاهوت فقد زار روما وعرض منظاره علي كبار رجال الكنيسة وأثبت أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية فتأيدت بذلك نظرية كوبرنيكوس إلا أن أحد الأشخاص ويدعي كاسيتي سعي للإيقاع به متهما إياه بمناقضة الكتاب المقدس وقدم للمحاكمة بهذه التهمة ولكن الكنيسة برأته مما نسب إليه . ولما رجع جاليليو إلي فلورنسا أعد كتابه " حـوار حول نظامين أساسيين للعالم " جاعلا الحوار حول نظام بطليموس ونظام كوبرنيكوس بين ثلاثة أشخاص وأوضح من خلال الحوار صحة نظام كوبرنيكوس ونشر الكتاب بالفعل سنة 1632 .

     وتضاربت الأقوال حول موقف الكنيسة من جاليليو حيث أشاع عملاء الماسونية ومن على دربهم أن جاليليو نشر كتابه " حوار " بموافقة البابا علي أن يذكر أن نظرية كوبرنيكوس هي مجرد فروض إلا أن الكتاب نشر دون ذكر تلك العبارة فأصدر البابا قرارا بتحديد إقامته فى مدينته.

     والواقع أن جاليليو ربما بسبب تفحصه الشموس الكونية والظواهر الفلكية كالخسوف والكسوف أصيب بالعمى فى أيامه الأخيرة مما حد من حريته فى التنقل,  ومن هنا يرجح لدينا أن إظهار وتضخيم الخلاف بين جاليليو والكنيسة اعتمد فى انتشاره على عملاء الماسونية وجهل العوام بحقيقة مصاب جاليليو.

     ومما يثبت أيضا عدم محاربة الكنيسة للعلم والعلماء, أن إسحق نيوتن وكان من علماء اللاهوت عندما جاء بقوانين الجاذبية في سنة 1696 أعلنت الكنيسة قبولها لتلك القوانين وكذا الحقائق المتعلقة بها.

     أما لماذا حاربت الكنيسة مذهب داروين في النشوء والارتقاء والتطور فإن ما جاء في البروتوكول الثاني من بروتوكولات الماسونية المعروفة ببروتوكولات صهيون ما يكفينا عناء الرد إذ جاء فيه تصريحيا أن مذهب داروين كان من صنعهم وأنهم يهدفون به إلي إفساد عقول الأمم أى إيمانهم.

        مما تقدم يتضح بجلاء تام أنه لا خلاف بين العلم الصحيح والكتاب المقدس. لأنه كما يقول الفيلسوف باكون أن القليل من المعرفة قد يسوق إلي الكفر والإلحاد, ولكن التعمق في الفلسفة الطبيعية يهدى العقول والإفهام إلي الدين وإلي الله.

     هذه الحقيقة يدعمها أن أكثر العلماء كلما تقدموا في العلم والمعرفة كلما أعادوا النظر في الآراء والنظريات السـابقة بالتعديل والتطوير والترك إن لزم الأمر, وكثيرا ما ترك العلماء النظريات المناقضة للكتاب المقدس بعد ثبوت فسادها علميا.

      وكثيرا ما صارت الأبحاث العلمية  التي أريد  بها التشكيك في صحة الكتاب المقدس هي ذاتها التي تشهد له بعد أن يثبت لهم أن ما أريد إثارة الشكوك حوله هو الحق وأن ما عداه هو الباطل.

     ومن العلماء الذين ثابوا إلي رشدهم الدكتور آلفريد ولسن شريك داروين الذى ألف كتابا دعاه " عالم الأحياء " ضمنه أقوى الأدلة القاطعة علي وجود الله.

     أما الصراع الظاهري بين العلم والدين فقد اشتد بصفة خاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بسبب إنتشار الكثير من النظريات المعارضة للكتاب المقدس والتي فندت بالكامل وخرج منها الكتاب المقدس مكللا بأكاليل النصر.

     وسنقدم فيما يلي الخطوط العريضة لتطور الصراع بين العلم والدين في معركتين من أهم المعارك التي دارت بين علماء الكنيسة وأدعياء العلم وكان منشأها أن البحث العلمي حينذاك كان في طور النشوء والنقص وكان من الطبيعي أن يشوبه الخطأ فنشبت معركة حامية بين الكنيسة من جانب وبين النظريات العلمية غير الصحيحة من جانب آخر.

 

الفصل الأول

الصراع بين الكنيسة وعلماء المصريات ؟

     كان منشأ هذا النزاع الذى دار بين علماء الكنيسة وبعض علماء المصريات في الفترة من سنة 1798 حتى سنة 1822 ميلادية هو أن العهد القديم أورد نصوصا تحدد بالأزمنة والأوقات تسلسل الأجيال من خلق آدم إلي نوح ومن نوح إلي إبراهيم ومن إبراهيم إلي موسى ومن موسى إلى داود ومن دواد إلى سبي بابل ومن سبي بابل إلي المسيح , وكان من السهل علي الذين يجمعونها أن يحددوا الزمن من خلق آدم إلي ميلاد السيد المسيح علي وجه الدقة[2] ومنها يتضح أن مجيء الرب فى الجسد كان بعد أربعة آلاف سنة من خلق آدم وفقا لحسابات الكتاب المقدس حسب الأصل العبرى الذي هو الأصل والمرجع الوحيد عند الخلاف بلا جدال.

      أما الترجمة اليونانية للعهد القديم فهي ترجمة تركت تحت يد ملوك البطالمة اليونانيين ويرجع لتحقيق نصوصها أو معانى كلماتها المترجمة إلي الأصل العبرى الذى هو الفيصل عند الخلاف.

     هذا التعليم الكتابي الذى يرجع بتاريخ خلق الإنسان علي الأرض إلي أربعة آلاف سنة قبل الميلاد المجيد هو الذى بدأ يصطدم مع النتائج الأولية غير الصحيحة التي خرج بها بعض علماء المصريات.

     ففى سنة 1798 عندما غزا نابليون بونابرت مصر زار العلماء الذين كانوا يرافقونه الوجه القبلي وشاهدوا أبراجا في سقف معبد دندرة تبدأ ببرج الأسد فاستنتجوا من ذلك أنه بنى بينما كانت الشمس في برج الأسد منذ نحو أربعة آلاف سنة قبل الميلاد. كما شاهدوا أبراجا أخرى في سقف معبد إسنا تبدأ ببرج العذراء فاستنتج بعضهم من ذلك أنه بني حينما كانت الشمس في برج العذراء منذ نحو سبعة آلاف سنة قبل الميلاد.

     ونشرت جريدة المونيتور التي تصدرها الحملة الفرنسية في القاهرة في عددها الصادر بتاريخ 18 أغسطس سنة 1800 أن معبدى دندرة وإسنا يعتبران مع ذلك من أحدث المعابد المصرية.

     ووصلت الجريدة إلي دوائر أوروبا الدينية والعلمية فأثارت ضجة في تلك الدوائر وأنقسم العلماء فريقان فريق يقول أن خلق الإنسان أقدم من الزمن الذى حددته الكتب المقدسة, وفريق يتمسك بما جاء في الكتب المقدسة لكونها وحي الله المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم.

     وكان العلماء الذين رافقوا حملة نابليون قد عادوا إلي فرنسا ونشروا الرسوم والصور التي جلبوها معهم لكثير من الآثار والمعابد المصرية وكان منها صور معبدي دندرة وإسـنا وكانوا قد نشـروا أيضـا أوصاف هذين المعبدين في مؤلفهـم العلمي " وصف مصر " Description de l` Egypt  .

     وكان الأب تيستا سكرتير البابا فى روما يعاونه ليترون على رأس الفريق المدافع عن صحة الزمن الذى حدده الكتاب المقدس لخلق الإنسان على الأرض فتلاحظ لهما أن على جدران معبدى دندرة وإسنا كتابات يونانية فقام ليترون بترجمتها فوجدها أسماء لأباطرة رومانيون فاستنتجوا من ذلك أن المعبدين أقيما أثناء حكم الرومان لمصر.

    ولكن ترجمة الأسماء اليونانية لم تقنع الفريق الآخر واستمرت المعركة مستعرة بين الفريقين إلى سنة 1822 للميلاد عندما تمكن شامبليون من فك طلاسم حروف الخط الهيروغليفى وأطلع على جميع نقوش ورسـوم معبدى دندرة وإسنا فتبين له أن جزء من معبد دندرة بنى فى عهد كليوباترا وابنها قيصـرون والجزء الأخر بنى فى عهد أغسطس قيصر وأن معبد إسنا بنى فى عهد الإمبراطور الرومانى كومودوس ( 177 - 180 بعد الميلاد ).        

     وهكذا أثبت شامبليون حداثة بناء الأبراج وأنها بنيت فى وقت بناء المعابد أثناء الحكم الرومانى لمصر فانهارت بذلك دعوى قدم الإنسان التى تبناها بعض علماء المصريات.

 

الفصل الثانى

الصراع بين الكنيسة والحركة الداروينية

      كان منشأ هذا النزاع الذى دار بين علماء الكنيسة وبعض علماء علم الأحياء هو أن العهد القديم أورد نصوصا تثبت أن الله فى اليوم الثالث أى فى الحقبة الزمنية الثالثة أنبت الأرض بكل أنواع الأعشاب والبقول التى تحمل بزرا من جنسها والأشجار التى تعمل ثمرا بزره فيه كجنسه.

     ثم فى اليوم الخامس أى فى الحقبة الزمنية الخامسة خلق الله جميع ذوات الأنفس الحية التى فى المياه كجنسها الزحافات والأسماك والتنانين كجنسها وخلق كل طير يطير على وجه الأرض كجنسه.

     ثم فى اليوم السادس أى فى الحقبة الزمنية السادسة عمل الله جميع ذوات الأنفس الحية التى تدب على الأرض كأجناسها البهائم كأجناسها والدبابات كأجناسها وجميع وحوش الأرض كأجناسها وآخر الكل عمل الله الإنسان على صورته كشبهه ونفخ فى أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية.

     وهكذا أظهرت النصوص المقدسة أن جميع الأحياء وجدت منذ نشأتها كأجناسها وأن الله عمل الإنسان على صورته كشبهه.

   فالإنسان وإن كان كسائر الأحياء من ذوات الأنفس الحية إلا أنه جنس مختلف عن سائر الأجناس الحيوانية بكونه الحيوان الوحيد المفكر المخلوق على صورة الله وشبهه.

    وكانت تلك العقيدة هى السائدة المستقرة فى علم الأحياء إلى أن ظهر داروين الذى سعى بنظريته الواهية عن التطور إلى رد الإنسان العاقل المخلوق على صورة الله وشبهه إلى مجرد حيوان متطور عن قرد.

     ففى سنة 1859 للميلاد أصدر تشارلز روبرت داروين مؤلفه أصل الأنواع الذى قرر فيه أن الكائنات الحية جميعها بما فيها الإنسان تطورت من أصل واحد أو أصول قليلة العدد فنشأ عن ذلك الأجناس المختلفة.

       وعلل اختلاف الجنس البشرى عن سائر الأجناس الحيوانية واختلاف أجناس الحيوانات عن بعضها البعض إلى أن نوعا من الأحياء الوسيطة التى تمثل حلقة التطور بين الإنسان والقرد والأحياء وبعضها البعض قد انقرضت.

     والواقع أن فكرة الحلقة المفقودة أو الأحياء الوسيطة المنقرضة منافية للمنطق والعقل لأنه إذا كانت هناك أحياء منقرضة فإن انقراضها يكون بسبب تطورها بمعنى أنه إذا كان الإنسان تطور عن قرد فلماذا نجد جنس القردة موجودا إلى جانب الجنس البشرى أليس من المنطقى أن يكون قد انقرض بتطوره إلى إنسان فإن وجد الجنسين  معا فيصير محققا أنهم مختلفين جنسا وأن أحدهم لم يتطور عن آخر. 

      ومع ذلك إذا افترضنا جدلا إمكانية وجود حيوان وسيط يمثل حلقة التطور بين الإنسـان الناطـق والقرد غير الناطـق فإن هـذا المخلوق لا يمكن أن يكون قردا ولا يمكن أن يكون إنسانا كما يستحيل عقلا أن يوجد كائن وسطى بينهما يجمع بين العقل واللا عقل أو المنطق واللا منطق أوالنطق واللا نطق. أما إن وجد كائن شبيه بالإنسان فإن الشبه لن يصيره إنسانا ولن يكون سوى حيوان كسائر الأحياء غير الناطقـة.

     أما فيما يتعلق باختلاف الأجناس الحيوانية بعضها عن بعض فإن القول بالحلقة الوسيطة لا معنى له إلا أن تكون هذه الأحياء أجناس أخرى.

     إن نظرة واحدة على شجرة تطور الأحياء لداروين كفيلة بهدم نظريته حيث يرى أن الإنسان هو نتاج تطور خلية أميبا تطورت فصارت سمكة ثم تمساح ثم أسد ثم قرد تطور فأصبح إنسانا.

     فالإنسان وفقا لداروين هو نتاج تطور من جرثومة وحيدة الخلية إرتقت فصارت من الأحياء المائية ثم تطورت فصارت من جنس الزواحف التى تطورت بدورها فصارت حيوان من جنس الوحوش الذى تطور بدوره فصار من جنس القردة التى ارتقت فصارت من الجنس البشرى.

     والسؤال هو أين الحلقات التى تربط بين هذه الأجناس وبعضها البعض ؟ وكيف يستساغ عقلا التسليم بمقولة أن الأحياء الوسيطة لجميع الأحياء هى وحدها المنقرضة.

     ومن هو الحكيم فى عين نفسه ذاك الذى يقبل مجرد فرضية وجود كائن وسيط بين الإنسان الناطق والقرد غير الناطق. 

    والواقع أنه رغم حمق النظرية فقد تشيع لها بعض العلماء اللذين سعوا لإثباتها عن طريق التنقيب فى طبقات الأرض بحثا عن الحلقات المفقودة التى تربط الأجناس الحيوانية وبعضها البعض وتلك التى تربط الإنسان بالقرد.

     وبالتنقيب فى طبقات الأرض وجدوا فى بعض الطبقات مخلفات متحجرة لحيوانات كاملة النمو لكنهم لم يجدوا فى الطبقات التى تحتها مخلفات من الحيوانات التى تطورت عنها. فهوت النظرية إلى الحضيض لأنه إن كان ثمة تطور فلماذا لم يثبت بحلقاته المختلفة.

     وهكذا بدلا من أن تعطى الحفائر الموجودة فى طبقات الأرض الدليل على صحة نظرية داروين هدمتها وأعطت الدليل على صحة قصة الخلق كما وردت فى الكتاب المقدس.

     حيث أظهرت الحفريات أن النباتات بأنواعها وسائر الأجناس الحيوانية كانت كما هى معروفة فى جميع الحقب دون أدنى تطور بينما المفروض أنها تطورت عبر العصور الجيولوجية وفقا لنظرية التطور الداروينية.

     وأكثر من ذلك وجهت الحفريات الضربة القاصمة للنظرية الداروينية إذ عوضا عن أن تثبت صحتها أثبتت أن جميع الأحياء ليس لها سجل حفرى أى أنها لم تتطور بعضها من بعض بل أن الأجناس جميعا وجدت فجأة دون أدنى تطور وفقا لتسلسل وجودها المثبت  فى الكتاب المقدس.

    وهكذا أصبح التقسيم الكتابى لتطور نشأة الحياة على الأرض هو المعتمد لدى الجيولوجيين فى العصر الحديث حيث قسموا العصور الجيولوجية إلى خمسة أقسام كالتالى :

   1  -  عصر ما قبل الحياة ( مـا قبـل الكمبرى ) Pre – Cambrian           

   2  -  عصر الحياة النباتية ( الحيـاة القديمــة ) Palaeozoic                   

   3  -  عصر الزواحــف  ( الحياة المتوسـطة )        Mesozoic             

   4  -  عصر الثـدييــات ( فجر الحياة الحديثة )                      Eocene

   5  -  عصر الإنســـان ( الحياة الحديثة كليا )   Holocene                    

     ويقول الجيولوجيون أن العصر الحديث كليا أو عصر الإنسان بدأ بإنتهاء العصر الجليدى منذ نحو ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد[3].

     وهكذا انقلب الهدف لأنه بدلا من أن تثبت الحفائر صحة نظرية التطور أثبتت بطلانها وأثبتت قصة الخلق وتسلسل نشأة الحياة على الأرض وفقا لرواية الكتاب المقدس.

     ورغم ثبوت بطلان نظرية داروين وفسادها منطقيا وعلميا فإن المتشيعين لداروين ما زالوا ينقبون عن ما أسموه حلقة مفقودة فى سلسلة التطور بين الإنسان والقرد.

     وكان قد عثر فى سنة 1856على حفرية عبارة عن جمجمة مع بضع عظام فى وادى نيندرتال بألمانيا , وبعد أن فحصها العلامة رودلف فيرشوا وهو من أشهر علماء التشريح حينذاك قرر أنها لإنسان حديث عانى من مرض التشوه التضخمى الذى يسببه نمو العظام الزائد الناتج عن خلل فى إفراز هرمونات النمو.

      هذه الحفرية التى اكتشفت قبل ثلاث سنوات من صدور مؤلف داروين " أصل الأنواع " أتخذ منها المتشيعون لداروين برهانا على قدم الإنسان وادعوا أن تلك الحفرية الشبيهة بجمجمة الإنسان وإن كانت لا تمت للجنس البشرى بصلة إلا انها هى الحلقة المفقودة وقدروا عمرها عندئذ بنحو ربع مليون سنة ثم هبطوا بعمرها إلى مائة ألف سنة وأخيرا قدرت العالمة الفرنسية هيلين فلادس عمرها بنحو خمسون ألف سنة.

     أما الجيولوجيون فأختلفوا حولها هل هى لقرد أم لإنسان لوجود تشوه تضخمى بعظام الفك.

     وأيا كان الأمر أى سواء كانت الحفرية لإنسان حديث عانى من مرض التشوه التضخمى أو كانت لقرد أو كانت لحيوان شبيه بالإنسان فإن المشابهة لا تقوم دليلا  على أنها لكائن وسيط.

     لأنه ما هى مواصفات الكائن الوسيط أو الحلقة بين الإنسان الناطق والحيوان غير الناطق ؟

      الجواب لا توجد ولا يمكن أن توجد فلا وسطية بين العقل واللا عقل  بين المنطق واللا منطق بين المفكر واللا مفكر.

     ثم فى سنة 1891 عثر فى جزيرة جاوة على قطعة من جمجمة وثلاثة ضروس فهلل لها المتشيعون لداروين أنها بقايا الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد فقام العلماء بفحص الحفرية فتبين أنها لحيوان الجيبون المنقرض من فصيلة الشمبانزى.  

     وهكذا سقطت أسطورة إنسان جاوة.

     ثم عثر على حفرية أخرى فى عام 1907 فى هيدلبرج بألمانيا عبارة عن فك سفلى قيل أنها الحلقة المفقودة وبعد فحصها بمعرفة المختصين تبين أنها لإنسان متخلف عقليا.

       وهكذا سقطت أسطورة إنسان هيدلبرج.

      ورغم أن الحفائر أظهرت عدم وجود ما يسمى بالحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد أو بين الحيوانات وبعضها البعض فما زال هناك من يتمسك بها جهلا أو تضليلا.

     ففى عام 1912 أعلن أحد المنقبين أنه عثر فى بيلتدون فى ساكس على جمجمة وفك تخص الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد. فقام المختصين حينذاك بفحصها وقرروا أن عمرها نحو نصف مليون ثم أعيد فحصها سنة 1950 فقالوا أن عمرها خمسين ألف سنة فقط .ثم أعيد فحصها سنة 1953 فاكتشف العلماء أنهم تعرضوا لخدعة ماهرة فالجمجمة كانت لإنسان وعولجت بأملاح الحديد لتبدو قديمة أما اسنان الفك وهى لقرد حديث فقد بردت ضروسها لتبدو كأنها أسنان إنسان. 

     وهكذا تهاوت أسطورة إنسان بيلتدون.

     أما حفرية إنسان جنوب أفريقيا " أوسترالوبيثكس " المكتشفة سنة 1924 التى زعم مكتشفوها أنها تمثل الحلقة المفقودة فقد تبين بعد توافر قدر من الأدلة على أنها لقزم من الجنس البشرى.

      أما أقطاب الداروينية فكانوا متحيرين فى تفسير كيفية حدوث التطور التدريجى للكائنات بعد أن أثبتت الحفريات وأعمال التنقيب عدم وجود كائنات وسيطة أو حلقات منقرضة تثبت التطور التدريجى للكائنات بدرجاته المختلفة.

     فلمـا كانت سنة 1905 أخرج هيجو دى فريز نظرية التطـور بالطفرة بقولـه " لا توجد حلقات مفقودة تربط بين الأنواع الرئيسية لأن الثغرات الموجودة فى سلسلة التطور هى طبيعية نتيجة تحول فجائى أو طفرة ".

     إلا أن الكثير من العلماء رفضوا نظرية داروين ودى فريز لأن ما يسمى بشجرة عائلة الكائنات الحية قد بنيت ليس على أساس حقائق مكتشفة كالأسلاف المتوسطين أى الحلقات المفقودة بل بنيت على أساس الإعتقاد بأن الكائنات الحية يجب أن تتطور بعضها من بعض بالطريقة التى تصورها داروين سواء كان التطور تدريجيا أو بالطفرة دون سند أو برهان.

     وواقع الأمر أن نظرية الطفرة لهيجو دى فريز لم تصمد أمام قوانين الوراثة المندلية التى أثبتت صحة ما جاء فى الكتاب المقدس من أن الأحياء تنتمى إلى أنواع مختلفة تتكاثر كأجناسها . فالإنسان لا يلد إلا إنسان والحيوان لا يلد إلا حيوان كجنسه.

     وقد أثبتت قوانين الوراثة أنه على فرض حدوث طفرة داخل الأحياء من الجنس الواحد فإن هذه الطفرة لا تحول القرد إلى إنسان أو السمكة إلى تمساح. فالطفرة وفقا لقوانين الوراثة المندلية ما هى إلا صفات وراثية معطلة داخل الجنس الواحد وهى تظهر متى ظهر الأبوان الصحيحان.

     أما نظرية دى فريز عن التطور بالطفرة فتعنى أن القرد بالطفرة يتحول إلى إنسان والأسد بالطفرة يتحول إلى قرد والتمساح بالطفرة يتحول إلى أسد والسمكة بالطفرة تتحول إلى تمساح ولا حاجة لوجود الحلقة المفقودة.

     من ذلك يتضح أن نظرية الطفرة لدى فريز هدفها الإفلات من سقطة الحلقة المفقودة التى تهدم نظرية التطور من أساسها بعد أن أثبتت أعمال التنقيب عدم وجودها.

     ومع ذلك لم تكن نظرية الطفرة بأوفر حظا من نظرية الحلقة المفقودة لأن كليهما لم تزد قيمته العملية عن مجرد نظرية غير قائمة على الملاحظة والتجريب كذبهم الواقع وفندتهما  قوانين الوراثة المندلية.

     وجدير بالذكر أن الله بعلمه السابق يتحدى التطوريين فنراه يضغط على كلمة كأجناسها بقوله :

     فعمل الله وحوش الأرض كأجناسها والبهائم كأجناسها وجميع دبابات الأرض كأجناسها .. وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ( تكوين 1 : 25 - 26 ).

     يتضح من هذه الآيات الكتابية الحيوانات صنعت كأجناسها وأن الإنسان صنع على صورة الله وشبهه مما يدل على أنه جنس مختلف عن سائر الأجناس الحيوانية.

     والعجيب أنه لم تمض ست سنوات على إصدار داروين لمؤلفـه " أصـل الأنـواع " إلا ونشر القس جريجور مندل قس برون بالنمسا سنة 1856 مؤلفه عن قوانين الوراثة التى أيدت رواية الكتاب المقدس وقوضت أركان نظريـة داروين ودى فريز إلا أن قوانين الوراثة لمندل لم تلق الإنتشار اللازم فى حينه.

     ومن خلال تلك القوانين تأيدت رواية السفر المقدس فى أن الأحياء تتكاثر كأجناسها حيث أثبتت قوانين الوراثة أن الخصائص الوراثية التى تميز نوعا معينا تنتقل عند التوالد إلي ذريته وبمعني آخر ترثها ذريته.

     وقد أظهرت أبحاث علم الوراثة أن نوعية الخصائص الطبيعية فى كل كائن على حدة تتحدد بعدد ونوع وحدات الكروموسوم التى تحتوى عليها كل خلية من خلايا ذلك الكائن وهى ثابتة فى كل نوع من أنواع الأحياء وتختلف باختلاف الأجناس والأنواع, وبهذا الكشف ثبت استحالة تغير الأجناس والأنواع أو تطورها من بعضها البعض.

     فالإنسان لا يلد إلا إنسانا مثله والحيوان لا يلد إلا حيوانا كجنسه. وهكذا أيدت قوانين الوراثة المندلية رواية السفر المقدس في أن الله خلق ذوات الأنفس الحية كأجناسها وأنه خلق الإنسان علي صورته كشبهه ليتسلط علي الأرض ويخضعها لإرادته.

    فالإنسان إذن لم يتطور عن قرد وفقا لنظرية التطور التى تهدف إلى انكار الخلق والسقوط والوعد بالفداء.

     فتنوع الأحياء إذن لم يكن أبدا نتيجة تطور أو إرتقاء بل لأن الأجناس جميعا كما أثبتت قوانين الوراثة المندلية تتكاثر منذ وجدت كأجناسها.

     وهكذا تأيدت مصداقية رواية السفر المقدس علميا, وتبرهن خطأ نظرية التطور لداروين بعد أن ثبت وفقا لقوانين الوراثة والعلوم التجريبية الحديثة أن الأنواع تتكاثر منذ وجدت كأجناسها وأنها لم تتفرع أو ترتقي من أصل واحد. بل أن الطفرة التي تظهر فجأة داخل النوع الواحد هي في الحقيقة صفات وراثية معطلة. وهي تتم داخل النوع الواحد دون أن تحوله إلي نوع آخر كما تخيل دي فريز.

      وهكذا وجهت قوانين الوراثة لمندل والعلوم التجريبية الحديثة ضربة قاتلة لنظريتي داروين ودى فريز.

                 

الفصل الثالث

الصراع بين الكنيسة وعلماء الماسونية

     والكتاب ما زال تحت الإعداد للطبع عمد أحد علماء الروزيكروشان التى تعد أحد أذرع الحركة الماسونية إلى تكذيب رواية السفر المقدس فيما يتعلق بمدة الأربعة آلاف سنة قبل الميلاد التي حددتها حسابات الكتاب المقدس لبدء التاريخ البشرى علي الأرض بخلق آدم. زاعما أن الحسابات الخاصة بمدد الآباء التي تضمنتها تلك الحسابات هى مدد تقريبية. منكرا بذلك رواية الكتاب المقدس زاعما بأنه لا تعارض بين العلم والدين لأن الله خلق الإنسان حقا ولكن ليس منذ أربعة آلاف سنة قبل الميلاد بل منذ عدة ملايين من السنين. لأنه قد اكتشفت منذ أربع سنوات حفرية بشرية لإنسان يرجع تاريخها إلي واحد ونصف مليون سنة.

     ثم قال سيادته مستطردا أن أعمال التنقيب قد كشفت منذ سنوات عديدة عن حفريات بشرية كثيرة جميعها تثبت نظرية قدم الإنسان مثل حفرية إنسان بكين التي ترجع إلي نصف مليون سنة وحفرية إنسان جاوة المسمي "بيذيكان ثروبوس إيركتوس " وغير ذلك الكثير.

       ونظرا لخطورة أقواله التى ظنها البعض أدلة علمية رأيت حتمية التصدى له فطرحت عليه السؤال التالى :

    ما هو برهانه على أن تلك الحفريات هى لكائنات بشرية ؟

      فأجاب بأن برهانه علي ذلك هو أن حجم المخ بهذه الحفريات شبيه بحجم مخ الإنسان.

      فقلت له أن المشابهة ليست برهانا يمكن الإطمئنان إليه سيما ونحن نتحدث بلغة العلم لإثبات نظرية خطيرة تنقض رواية السفر المقدس.

     وأما برهاننا على ذلك فهو أن حفرية إنسان جاوة المسمي " بيذيكان ثروبوس إيركتوس " المكتشفة سنة 1926 التى استشهدت بها لإثبات نظرية قدم الإنسان قد ثبت أنها عظام ركبة فيل. 

     وأيضا فإن حفرية إنسان نبراسكا  المسمى " هيبروبيثكس " المكتشفة سنة 1922 والتى اتخذ منها التطوريون دليل قاطع وشهادة مؤكدة لا يرقى إليها الشك على قدم الإنسان عثر بعد ثلاث سنوات من اكتشافها على الهيكل الكامل لها فتبين أنها لخنزير منقرض.

     من ذلك يتضح أن الأخطاء التى وقع فيها التطوريون على طول الخط سببها أنها تأسست على عنصر المشابهة بين تلك الحفائر الحيوانية ومخ الإنسان.

    كما أن علماء الآثار والجيولوجيون والداروينيين متفقون على أن إنسان جاوة وإنسان بكين وإنسان صولو وإنسان روديسيا وإنسان جالى هيل وإنسان سوانسكوب وإنسان ستاينهيم وإنسان جبل الكرمل جميعهم لا ينتمون إلى الجنس البشرى مطلقا.

     والسؤال الذى يحتاج إلى تفسير هو كيف يسمى إنسانا من لا ينتمى إلى الجنس البشرى مطلقا فالحفرية إما أن تكون حيوانية أو بشرية.

     وقد أجمع علماء الآثار والجيولوجيون على أن الإنسان لم يوجد إلا فى العصر الحديث كلية الذى بدأ منذ ما يقرب من ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد وأنه وجد فجأة على مسرح التاريخ دون أن يكون له سجل حفرى أو أسلاف متوسطين أو ما يسمى بالحلقة المفقودة أو المنقرضة.

     ويقول الجيولوجيون أنه لم تظهر قط آثار الإنسان فى أراض العصر الجليدى ولم توجد فيه قط عظام بشرية. فالإنسان لم يوجد قط إلا فى العصر الحديث الذى يقدره العلماء المعاصرين بنحو ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد.

    أما العصر الجليدى الذى سبق العصر الحديث فيقدره العالم الجيولوجى برستويتش بنحو خمسة وعشرون ألف سنة قبل العصر الحديث.

    والواقع أن إجماع علماء الآثار والجيولوجيون على أن منطقة ما بين النهرين هى أقدم تجمع بشرى على الأرض وأنها مهد الحضارة الإنسانية لهو خير برهان على حداثة الإنسان على الأرض وعلى صحة رواية الكتاب المقدس بأن الله خلق آدم وجعله فى منطقة ما بين النهرين بالعراق منذ أربعة الآف سنة قبل الميلاد.

      كما أثبتت الحفائر حدوث الطوفان, وأثبت علم الآثار أن أقدم تجمع بشرى نشأ على الأرض كان فى منطقة ما بين النهرين وكان لجميع سكان هذه المنطقة لسان واحد ولغة واحدة هى السومرية ثم بعد الطوفان تفرقت شعوب الأرض بألسنتها أى لغاتها.

     ويقول العلامة هرلدبرون " لا يمكن أن نعين بسهولة كل الألسنة السامية لسلالات سام والآرية لسلالات يافث والتورانية لسلالات حام ولكن مع ذلك فإن علم مقابلة اللغات يرد كل اللغات إلي ثلاثة أصول رئيسية ".

    ويقول العلامة مكسلمر في خطابه في علم اللغات ما موجزه " أن تيبو وبليني كشفوا بنية داخلية في لغات العالم تظهر في أن التباين بينها لا يمكن أن يكون قد نتج عن انتقال تدريجي أو تغيير خاص بل بقوة فعالة غير اعتيادية شديدة خافية أن تعلل حالا عن المشابهات والاختلافات بينها ".

     وقد أكدت الأبحاث التاريخية أن السومريين ليسوا من نسل سام أو حام أو يافث كما أن لغتهم المكتوبة تختلف عن اللغات المألوفة بعد الطوفان, ولوحظ من جهة أخرى أن أسماء المعالم الرئيسية في منطقة ما بين النهرين والتي تضمنتها النصوص السومرية نفسها تختلف عن مسميات تلك المعالم في اللغة السامية مما يوحي باختلاف الساميين في النسل واللغة عمن سبقوهم من السومريين الذين هلكوا بالطوفان وورث الساميين موطنهم.  

 من ذلك يتضح أن جميع الحضـارات الإنسانية بلغاتها المختلقة وأسماء مؤسسيها لم تنشأ على الأرض إلا بعد أن بلبل الله ألسـنة البشـر عند برج بابل وشتتهم على وجه كل الأرض ( تكوين 10 , 11 ) فصارت الأرض تسمى باسم أول من استوطنها وتتكلم بلسانه أى لغته. 

    فالحضارة المصرية واللغة المصرية لم يكن لهم وجود قبل نزوح مصرايم إلى أرض وادى النيل ومنذ هذا التاريخ عرفت أرض الوادى باسم أرض مصر نسبة إلى مصرايم بن حام بن نوح أول من استوطنها من بنى البشر سنة 2248 قبل الميلاد وتكلمت بلسانه.

     فماذا إذن هل نرفض روايات الكتاب المقدس لأن بعض المنتفخين باطلا المزهوين بمعرفتهم الفاسدة يعترضون عليها استنادا إلى نظريات غير علمية فندت بالكامل.

     هل ننكر رواية الكتاب المقدس لمجرد أن البعض إلى الآن يكابر بدعوى العلم بنظريات مدحوضة تضـاد قواعـد المنطق السـليم ووقائع التاريخ وعلم الجيولوجيا ولا تجد لها سند اللهم إلا ما يردده علماء مرفوضى الذهن كذهن معلمهم ورائدهم الأول داروين, وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء واستبدلوا حق الله بالكذب.

     نختم ردنا بوصية رسول الأمم العظيم لتلميذه تيموثاوس احفظ الوديعة معرضا عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الإسم الذى إذا تظاهر به قوم زاغوا من جهة الإيمان النعمة معك آمين ( تيموثاوس الأولى 6 : 20 - 22 ).    

 

القسم الثانى

  أسرار الخلق والتكوين

    

الفصل الأول

العالم كون من نور

        يقول العلماء أنه منذ عدة ملايين من السنين كان هناك وقت لم يكن فيه أرض ولا شمس ولا نجوم ولا مجرات لم يكن موجودا سوى دائرة من النور الكوني احتوت كل المادة والطاقة التى في الكون.

     ويقولون أيضا أن المادة خلقت دوارة بفعل التحاف المحرك الأول بها وأنها تحولت إلي نور بفعل إدارته لها.

     فالنور ما هو إلا مادة متحركة بسرعة الضوء.

     والواقع أن الحقيقة العلمية المتعلقة بدوران المحرك الأول تثبتها كلمة الله القائلة أن روح الله يرف ( أى يدور محوريا ) علي وجه المياه ( التكوين 1 : 2 ).

      أى أن المحرك الأول الذى هو روح الله التحف بالمادة وأدارها فصيرها نورا الأمر الذى تثبته كلمة الله القائلة أن الله لبس النور كثوب ( مـزمور 104 : 2 ) وأنه سـاكن فى نـور لا يدنى منه ( تيموثاوس الأولى 6 : 16 ) وأنه شـمس البر ( ملاخي  4 : 2 ) وأنـه نـار آكلة ( العبرانيين 12 : 29 ) وأنـه نـور العـالـم ( يوحنا 8: 12 ).

     ولما كان النور الذى لا يدني منه يحتوى علي كل المادة والطاقة التي في الكون فإنه بلا جدال أصل كل ما هو كائن وعلة جميع الظواهر الأمر الذى يعني بداهة أن العالم كون من نور هو نور الله اللابس النور كثوب الساكن في نور لا يدني منه.

     هذا سر الكون الذى إن أدركناه أدركنا أبعادا جديدة لمدلول كلمة الله القائلة " أن النور كان في العالم وأن العالم به كون ( يوحنا 1 : 9 - 10 ).

  

الفصل الثانى

العالم كون من مادة متحركة

 

المبحث الأول

المحـرك الأول

    من الأمور البديهية أن الحركة لابد لها من محرك أول ذاتى الحركة أى لم يحركه أحد بل هو متحرك من ذاته.

      هذا المحرك الأول الذاتي الحركة هو الله الذى هو علة حركة كل متحرك.

     والمحقق علميا ومنطقيا أن حركة الكون حركة متصلة أنشأها في الكون ككل حضور محرك أول ذاتى الحركة هو الله.

    ولما كان الله غير محدود فإن الحركة المتصلة الوحيدة التي تتوافق مع عدم المحدودية والتي يمكنها أن تستمر إلى الأبد على نحو موحد وفي نفس الاتجاه هي الحركة الدورانية.

     فالحركة المتصلة الأولي ينبغي أن تكون دوران المحرك الأول حول نفسه, ولما كانت الحركة الدورانية التى للمحرك الأول هي العلة الأولى ومصدر حركة كل متحرك فإنها إذن تحكم كل شىء وتدير كل شىء وتجذب كل شىء الأمر الذى يعني أن الحركة الدورانية هي المجال الموحد لطاقات العناصر بمختلف صورها. 

    فالمحرك الأول إذن هو علة النظام الهندسى الكوني القائم على أساس الحركة الدورانية.

      هذه الحقيقة العلمية المتعلقة بدور الحركة في هندسة الكون أعلنها سليمان الحكيم بقوله :

     علمت جميع المكنونات والظواهر لأن الحكمة مهندسة كل شىء .. فإن فيها الروح الفهم القدوس .. السريع الحركة .. لأن الحكمة ( المحرك الأول ) أسرع حركة من كل متحرك .. لأنها ضياء النور الأزلى ومرآة عمل الله النقية وصورة جودته تقدر على كل شىء وهى ثابتة فى ذاتها ( الحكمة 7 : 21 - 27 ).

     مما سبق يتضح أن العالم كون من مادة متحركة بحركة دورانية. أى أن النظام الهندسى الكونى كله قائم على أساس تلك الحركة الجورانية التى هى علة جميع الظواهر والمكنونات.

     مما سبق يتضح أن العالم كون من مادة متحركة بحركة دورانية. أى أن النظام الهندسى الكونى كله قائم على أساس تلك الحركة الدورانية التى هى علة جميع الظواهر والمكنونات.

     وقد أثبت أيوب النبى أن الله هو العلة الأولى والمحرك لكل الأشياء لتفعل مشيئته بقوله :

      يشحن السحاب بالندى ويشق الغمام بنوره فيطوف متقلبا كما يديره ليفعل كل ما يأمره به فى معمور الأرض ( 37 : 11 - 12 ).

       

المبحث الثانى

المجال الموحد

      يقول فيليب فرانك في مؤلفه اينشتاين حياته وزمانه ما مضمونه أن اينشتاين بلغ به الجهد في محاولة وضع نظرية جديدة يحاول فيها توحيد ظواهر الكون في مجال موحد يجمع بين مختلف طاقات العناصر في حيز الزمان والمكان.

    والمعلوم لدينا أن اينشتاين بعد أن أوجد العلاقة المعروفة بين المادة والطاقة سعي في محاولة لإيجاد العلاقة التى تجمع بين مختلف طاقات العناصر في حيز الزمان والمكان والتي ينبنى عليها النظام الكوني.

    وإذ كنت أبحث عن تلك العلاقة في مباحث الكتب العلمية دون جدوى عدت خالي الوفاض إلي الكتاب المقدس كتاب الله المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والمعرفة الحقة لتستوقفني آية هى بحق من آيات الإعجاز العلمي في الكتاب المقدس إذ تكشف وفي أسلوب غاية في البساطة عن ماهية المجال الموحد التي حار في الكشف عنها العلماء وتبين العلاقة التي تجمع بين مختلف العناصر في حيز الزمان والمكان وهي التي فيها يقول سليمان الحكيم ما نصه :

     علمت جميع المكنونات والظواهر لأن الحكـمة مهندسة كل شىء فإن فيها الروح الفهم القـدوس السـريع الحركة .. لأن الحكمة أسـرع حـركة من كل متحرك ( المحـرك الأول ) .. لأنها ضياء النور الأزلى ومرآة عمل الله النقية وصورة جودته تقدر علي كل شىء وهي واحدة, وتجدد كل شىء وهي ثابتة في ذاتها ( الحكمة 7 : 21 - 27 ).

    من هذه الآية الكتابية يتضح أن الحكمة التي فيها الروح الفهم القدوس هي علة النظام الهندسى الكونى. أى أن الحكمة هي العلة الأولي أو المحرك الأول السريع الحركة والأسرع حركة من كل متحرك. هذه الحركة الأسرع هي الحركة المركزية التي للمحرك الأول التي تحكم كل شىء وتدير كل شىء الأمر الذى يعني أن الحركة الوحدوية الثابتة أى الحركة الدورانية التي تدير كل شىء هي المجال الموحد لطاقات العناصر بمختلف صورها الكهربائية والمغناطيسية والجاذبية والضوئية والحرارية.

     فالحركة الدورانية التى للمحرك الأول هي الحركة الثابتة الوحيدة التي تدير كل شىء وهي علة كل شىء باعتبارها المجال الموحد لمختلف طاقات العناصر بكافة صورها.

     مما تقدم يتضح أن الحركة الدورانية الوحدوية الثابتة أى المتصلة هي المجال الموحد الذى يجمع بين مختلف طاقات العناصر في حيز الزمان والمكان التي ينبني عليها النظام الهندسى الكوني فإذا توقف المحرك الأول نظريا عن إدارة مادة الكون أنحل الكون في لمح البصر وفقدت المادة طاقاتها وأبعادها وتمايزها وكتلتها فينعدم المكان بأبعاده الثلاثة الطول والعرض والارتفاع وينعدم الزمان فلا يكون زمان بعد وينهار النظام الكوني كله.

     مما تقدم يتضح أن الحركة الدورانية هي المجال الموحد الذى يجمع بين مختلف طاقات العناصر في حيز الزمان والمكان وأن هذه الحركة الدورانية هي علة النظام الكوني بكافة عناصره ومختلف طاقاته.

    هكذا نجد أن المجال الموحد حلم اينشتاين الذى لم يدركه معلن تصريحيا في الكتاب المقدس.

   

المبحث الثالث

الثقوب السوداء ونهاية العالم

      يقول العلامة الفريد ولسن شريك داروين وهو من العلماء الملحدين الذين ثابوا إلي رشدهم في مؤلفه " عالم الأحياء " والذى ضمنه أقوى الأدلة القاطعة علي وجود الله :

      " أن الخالق ليس مضطرا أن يعني بنفسه بكل مصنوعاته لكنه أبدع أعوانا له يعتنون بها وهم الملائكة وفي ذلك يقول أن فرض وجود الملائكة وتدبيرها للموجودات بقوة خالقها أسهل تصورا وأقرب إلي المنطق من الفرض بأن الخالق كون الموجودات كلها وهو بنفسه يعتني بكل منها ويدبر كل أمورها بنفسه , وهذا الفرض لا ينفي اعتناء الخالق بمصنوعاته ولكنه يجعل هذا الإعتناء بواسطة الملائكة المخلوقة ".

     وهذا معناه أن الله أعطى الملائكة أن تكون قادرة علي توليد الطاقات المختلفة نتيجة سرعة دورانها وأن تشارك في إدارة وتكوين المجموعات النجمية والمجرات.

     ولا يتعذر علينا أن نتصور أن طغمات الملائكة تدير هذه الشموس والكواكب بحيث تصير أحوالها الفلكية والطبيعية ثابتة علي حالة واحدة تقريبا ملايين السنين.

     وواقع الأمر أن تلك الفلسفة استمدت أسسها من الكتاب المقدس والتقليد حيث يخبرنا الكتاب عن تخصيص ملاك لكل أمة ( دانيال 10 : 13 ) ( يشوع بن سيراخ 17 : 14 ) وعن تخصيص ملائكة لها سلطان علي المياه ( رؤيا 16 : 5 ) وأخرى لها سلطان علي النار ( رؤيا 14 : 8 ) وأخرى للهواء والريح ( رؤيا 7 : 10 ) وأخرى كما جاء في التقليد للكواكب والنجوم [4].

     مما تقدم يتضح أن للملائكة سيطرة علي طاقات العناصر كالنار والمياه والهواء والريح كما أن لها سلطان علي أجرام السماء أن تحفظها وتديرها كمحركات ثانوية تدور في فلك المحرك الأول.

      والواقع أن الملائكة كما هو معلوم مخلوقات نارية غير منظورة بالنسبة لنا إلا أنها عظيمة القوة والقدرة وهي تعمل كمحركات ثانوية بأمر وتحت السيطرة الكاملة للمحرك الأول لإدارة الكواكب والنجوم والمجرات والمحافظة علي إتساق النظام الكوني.

    فالأرواح إذن كما تكشف الدراسات الكتابية هي قوى محركة غير منظورة تدور حول نفسها فينشأ عن تلك الحركة نشوء مراكز جذب للأنوار والأعفار الكونية حول مركز الدوران فتتكاثف مكونة أجرام وكواكب ونجوم ومجرات.

     والواقع أن هذه النظرية أى نظرية تكاثف الكواكب والنجوم والأجرام السماوية بما فيها كوكبنا الأرض من أعفار ترابية تجد أساسها في الكتاب المقدس حيث يتكلم الكلمة الأزلي قائلا منذ الأزل مسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض إذ لم يكن غمر أبدئت .. إذ لم يكن قـد صـنع الأرض بعـد ولا البرارى ولا أول أعفـار المســــكونة ( أمثال 8 : 23 - 26 ).

     هذه الحقيقة الكتابية أثبتتها البحوث العلمية الحديثة التى أجريت في بحث ظاهرة الثقوب السوداء والتي أظهرت أن الثقوب السوداء ما هي إلا قوى غير منظورة كائنة في الفراغ الكوني وهي غير مرئية علي الإطلاق ورغم ذلك فلديها القدرة علي جذب الأشعاعات والأعفار  الكونية إلي طاحون جاذبيتها وتقسرها علي الحركة في مدار حلزوني حولها.

     وقد اختلف العلماء حول ماهية هذه الثقوب حتي أن البعض رأى أنها لا تحتل مكانا في الفراغ مطلقا وأنها تتكون من مادة نارية مضغوطة دوارة تعادل قوة جاذبيتها قوى نجم عملاق.

     في حين رأى  آخرون أن الثقوب السـوداء وإن كانت غير مرئيـة إلا أن هـذا لا يعني أنها لا تحتل مكانا في الفراغ بل يعني فقط أن الثقوب تضغط المادة التي تأسرها نتيجة سرعة دورانها فتعزلها تماما عن الكون حتي أن الضوء المرئي نفسه لا يمكنه الإفلات من نطاق جاذبيتها التي تزداد طرديا مع ازدياد سرعة دورانها.

     لهذا يعتقد الكثير من العلماء أن مراكز المجرات ومنها مركز مجرتنا " الطريق اللبني " إنما هي ثقوب سوداء.

      كما يعتقد هؤلاء العلماء بأن 90 0/0 من الكتلة الإجمالية للكون ربما تكون متوارية عن الأنظار علي هيئة ثقوب سوداء.

     لهذا نرى أن نوى المجرات عبارة عن نقاط مميزة تصب فى عالمنا عبرها مادة من مخزونها المضغوط إذا أبطأت من سرعة دورانها والعكس صحيح.

     ويرى العالم الفيزيائي الأمريكي هربرت جورسكن أن نهاية العالم لن تتحقق بتوقف المحرك الأول عن الدوران كما يعتقد بعض العلماء  بل أن النهاية ستكون بازدياد سرعة دوران المحرك الأول فيجذب إليه جميع مادة الكون فيطوى الكـون كدرج ملتف.

     ونحن نتفق مع هذا الرأى جزئيا حيث أن تلك النهايـة هى المعلنة  كتابيـا ( رؤيا 6 : 14 ).  أى إنطواء السموات كطى السجل. ولكن هذا لا يعنى دمار الكون كله بمجموعاته المجرية وإنما أن هذه النهاية غالبا ستقتصر على نظامنا الشمسى أو النجمى ومع التوسع نظامنا المجرى حيث أن الكتاب يتحدث عن تزعزع قوات السماء واحتراق الأرض والمصنوعات التى عليها ولم يتحدث عن احتراق المنظومة الكونية كلها.

 

الفصل الثالث

العالم كون من مادة غير منظورة

      كشفت الأبحاث العلمية أن العالم كون من نور وأن النور ما هو إلا مادة متحركة بسرعة الضوء. فمن الحقائق العلمية المعروفة أن الجسم الذي يتحرك بسرعة الضوء يصير هو نفسه ضوءا . والضوء ما هو إلا جسيمات من البروتونات والنيوترونات والإلكترونات وهذه الجسيمات هي التي تتكون منها ذرات العناصر بمقدار وعدد ووزن ( الحكمة 19 : 16 - 19 ) ( الحكمة 11 : 21 ).

     والمعروف علميا أن ذرات العناصر هي وحدات بنائية أولية للعناصر المختلفة. فالذرة هي الوحدة البنائية الأولي لمختلف العناصر في هذا الكون, وهي متناهية في الصغر جدا حتى أنها لا ترى بالعين المجردة, والمعجز أن قوة تكبير الميكروسكوب ذي المجال المشع والتي تكبر الذرة مليون ضعف لا تكفي أيضا لرؤية الذرة.

وبالتالي لم يستطع أحد حتى الآن أن يكشف عن التركيب الداخلي للذرة التي هي الوحدة البنائية الأولي للمادة في هذا الكون.

     وسر ذلك أن الذرة ترف حول نفسها محوريا بسرعة فائقة بما يستحيل معه متابعة حركتها أو رؤيتها, ويزيد صعوبة الأمر أن الذرة نفسها مركبة من جسيمات تدور وترف حول نفسها وفي مدارات, ومن الثابت علميا أن أي جسيم يرف حول نفسه محوريا بسرعة فائقة يختفي عن الأنظار فلا يرى وكلما ازدادت سرعة دورانه كلما عجزت حتى الأجهزة الدقيقة عن رصده.

     وهكذا ثبت علميا أن الذرة التي هي الوحدة البنائية الأولي لعناصر مادة الكـون لا يمكن رؤيتها مطلقا, وهذا معناه أن العالم مصنوع من مادة غير منظورة.

     هذه الحقيقة العلمية المكتشفة حديثا أعلنها بولس الرسول بالروح القدس قائلا:

     " بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله حني لم يتكون ما يري مما هو ظاهر " ( العبرانيين 11 : 3 ).

     وفي نفس المعني وبروح النبوة مجد سليمان الله قائلا :

     " يدك القادرة علي كل شـيء هي التي صنعت العالـم من مـادة غير مصــورة " ( الحكمة 11 : 8 ).

     من ذلك يثبت علميا وكتابيا أن العالم كون من مادة غير ظاهرة وغير مصورة.

   

الفصل الرابع

العالم كون من تكاثف أعفار ترابية

   

     لما كانت دائرة النور الكوني هي أصل المكنونات. فالعالم إذن كون من نور. والسؤال الذي يفرض نفسه هو كيف تكونت الكواكب والنجوم والمجرات من مادة النور ؟

     للإجابة علي هذا السؤال تخصص المبحث التالي :

     من الحقائق الثابتة في علم الطبيعة أن الجسم إذا تمتع بحركة دورانيه مالت أجزاءه المتطرفة إلي التباعد عن المركز بالقوة الطاردة المركزية. فمثلا إذا أتيت بطوق من الصلب الرقيق تام الإستدارة وجعلت فيه محورا مارا بمركزه ثم أدرت هذا الطوق إدارة سريعة متواصلة فإنك لا تلبث أن تري الطوق بعد أن كان مستديرا يصير شيئا فشيئا بيضاوي الشكل أي أن قطبية المتصلين بالمحور يتقاربان بقدر إنبعاجه من الوسط الأفقي أي من خط استوائه. فمن هذا المثل يري أن الجسم الذي يدور إنما يميل عند سرعة دوران معينة إلي الإنبعاج من خط إستوائه. فإذا كان ذلك الجسم ناريا حصل الإنبعاج علي نحو ما تقدم وكانت النتيجة وقد تمادت حركة الدوران وبلغ الإنبعاج نهايته أن أخذت تنفصل من أطراف الدائرة كرات نارية اتخذت لنفسها مدارات مختلفة حول دائرة النور الكوني, وأخذت هذه الكرات النارية تجاري دائرة النور الأصلية في حركتها وتدور حولها وكلما دارت اتسعت دائرتها ومالت إلي الإنبعاج ومع استمرار حركة الدوران يبلغ الإنبعاج نهايته فتنفصل من أطراف تلك الكرات كرات أخري تتخذ لنفسها مدارات حولها. ثم لا تفتأ تلك الكرات وكراتها المركزية تدور حول دائرة النور الأصلية بفعل قوي الجاذبية السارية إليها منها ومع استمرارها في الدوران تنبعج انبعاج دائرة النور الأصلية وتنفصل منها كرات نارية تتخذ شكلا كرويا في بادىء الأمر ثم بفعل الحركة الدورانية تنبعج وتنفصل منها كرات نارية وهكذا دواليك حتي امتلأ الكون كله بتلك الكرات النارية التي تأخذ شكل دائرة النور الأصلية وتحاكيها في حركتها ثم مع تباعد تلك الكرات عن مركز الدائرة الأصلية ونتيجة قوي التجاذب بينها بدأت جسيمات الضوء المنبعثة منها تفقد سرعتها آخذه في التكاثف مكونة أعفارا ترابية ومركبات غازية ونشأ عن ذلك إن امتلأ الكون بسحب ترابية وغازية وأنقاض كونية أخذت تتكاثف وتتجمع مكونه سدما ضخمة شديدة الإظلام مركبة من الماء والنوشادر والميثان والأعفار الترابية والأنقاض الكونية أحاطت بدائرة النور الأصلية وبالكرات النارية وغطتها فاحتجبت أنوراها وعم الكون كله ظلمه حالكة.

     وهكذا تكونت السدم التي تكونت منها المجرات التى أخذت تتباعد عن بعضها البعض وبهذا دخل النظام الكوني في طور جديد من أطوار التكوين.

     وهكذا ظهر سديم مجرتنا كواحدة من واحد وثلاثون مجرة محلية تدور حول مجرة أندروميدا ( المرأة المسلسلة ) وهذه المجموعة المجرية تسمى كوسترا وهى واحدة من ثمانى مجموعات كلوستر تدور حول مجرة أكبر منهم تعرف باسم تجمع العذراء السوبر كلوستر يقع مركزها فى اتجاه نصف الكرة الشمالى وهذا المركز عبارة عن مجموعة العذراء الكلوستر نفسها [1].

     كما أظهرت الدراسات أن المجرات الخارجية تشبه سديم مجرتنا من حيث وجود شمس مركزية ومادة سديمية حاجبة للضوء تحيط بها [2] وتغلفها.

      ثم مع استمرار دوران سديم مجرتنا حول محوره وتحت تأثير سرعة الدوران وقوي الجاذبية المتبادلة بينه وبين المجرات الخارجية الأخرى بدأت الأطراف الخارجية لسديم مجرتنا تنفصل عنه مكونة سدم دوامية تحاكي سديم مجرتنا في حركته وتدور حوله في مدارات. ثم مع استمرار حركة الدوران تنبعج وتنفصل منها سدم دوامية أخري تدور حولها. وهكذا دواليك حتى امتلأت سكة المجرة بتلك السدم الدوامية الكثيفة التي تتكون من أعفار ترابية ومركبات غازية أخذت تحت تأثير سرعة الدوران في التكاثف حول محاورها ثم مع استمرار حركة الدوران والتكاثف استنفذت السدم الصغيرة نسبيا جل مادة سدمها فتكونت بذلك الكواكب في اليوم الأول أي في الحقبة الزمنية الأولي.

     وفي تلك الحقبة الزمنية تكونت الأرض مع سائر الكواكب بعد أن تكاثفت جل مادة سدمها, وكانت الأرض في تلك الحقبة غير مهيأة والظلمة الحالكة تحيطها من كل جانب.

     أما السدم المركزية لهذه الكواكب فقد استمرت تكتسب مع الوقت كميات أكثر من الأعفار الترابية والمركبات الغازية حتى وصلت في الحجم والكتلة إلي الحد الحرج الذي يسمح بإنطلاق الطاقة والإشتعال الذاتي وهكذا ولدت الشمس والنجوم في اليوم الرابع أي في الحقبة الزمنية الرابعة كما ورد في سفر التكوين.

     فالأصل في تكون المجرات وتوزعها في الفضاء الكوني إنما هو دائرة النور الكوني التي بفعل دورانها توالدت منها المجرات والسدم بما يشبه تفرغ الأغصان من الأصل الواحد.

     وتبين الدراسات العلمية أن نظامنا المجري يمثل آخر مراحل التطور السديمى حيث تكثفت جل مادته إلي نجوم وكواكب.

     وهكذا أثبت العلم الحديث أن الأرض والكواكب والنجوم والمجرات تكونت من تكاثف أعفار ترابية ومركبات غازية هذا الكشف العلمي الحديث تثبته كلمه الله القائلة:

     منذ الأزل مسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض إذ لم يكن غمر أبدئت .. إذ لم يكن قد صنع الأرض بعد ولا البراري ولا أول إعفار المسكونة ( أمثال 8 : 23 - 26 ).

     ودلالة النص تظهر أن الكلمة مسح منذ الأزل قبل أن توجد أول ذرات الأرض وقبل أن تتكون المياه وقبل أن تتكون أول أعفار المسكونة. الأمر الذي يدل دلاله واضحة علي أن الأرض تكونت من تكاثف أعفار ترابية ومركبات غازية . والمحقق علميا أن ثلاثة أرباع كوكب الأرض يتكون من الماء وهو مركب غازي الأمر الذي أثبته بطرس الرسول بقوله :

     أن السماوات كانت منذ القديم والأرض بكلمة الله قائمة من الماء وبالماء اللواتي بهن العالم الكائن ( بطرس الثانية 3 : 5 - 6 ).

     ومن الدراسة السابقة يتضح أن الأرض تكونت في البدء من تكاثف أعفار ترابية ومركبات غازية في الوقت الذي كانت فيه الشمس والنجوم مازالت في طور التكوين والتكاثف.

     فهل هناك برهان أعظم من هذا يثبت وحي الكتاب المقدس الذي سبق العلم الحديث في تقرير حقيقة أن الأرض تكونت من تكاثف أعفار ترابية ومركبات غازية في الوقت الذي كانت فيه سدم الشمس والنجوم مازالت في طور التكوين والتكاثف . وأن الشمس والنجوم لم تولد وتشتعل إلا في اليوم الرابع.

     إن العلم الحديث يقدم للعالم اليوم شهادة عظمي علي أن الكتاب المقدس وحده هو كلمة الله الحقيقية.


 

الفصل الخامس

مصادر أنوار اليوم الأول والرابع

 

المبحث الأول

 مصدر نور اليوم الأول

      فى البدء كانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمـة وروح اللـه يرف ( أى يدور محوريا ) على وجه المياه.

     هذه كانت هيئة الأرض فى البدء أى فى الحقبة الزمنية التى بدأ عندها موسى النبى يسجل بالوحى الإلهى ستة أيام أو أحقاب إعداد الأرض وتهيئتها لسكنى الإنسان.

     فى تلك الحقبة المظـلمة المعبر عنها بالبدء كانت الأرض غير مهيـأة وخلوا من أى مظـهر من مظـاهر الحيـاة. تغمرها الميـاه من كل جانب وعلى وجـه الغمر ظـلمة وروح اللـه يرف على وجه الميـاه وقال اللـه ليكن نـور فكان نـور ( تكوين 1 : 1 - 3 ).

    ويكشف بولس الرسول عن ماهية هذا النور المجهول المصدر بقوله :

    أن الذى قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذى أشرق ( كورنثوس الثانيـة 4 : 6 ). 

     ولكن كيف يشرق النور من ظلمة ؟

     من الحقائق القائمة على أسس علمية ودينية وفلسفية أن اللـه الساكن فى نور لا يدنى منه هو محور دوران مجرتنا بصفته المحرك الأول.

     وقد أثبتت الكشوف العلمية وجود مادة حاجبة فى المستوى المركزى للمجرة تحجب شمس الشموس أو دائرة النور المركزية حجبا تاما الأمر الذى تثبته كلمة اللـه القائلة :

     هوذا بسـط نـوره على نفسـه ثم يتغطى بأصول اليم ( أيوب 36 : 30 ) جعل الظلمة ستره حوله مظلته ضباب المياه وظلام الغمام ( مزمور 18 : 11 ).

     أى أن المحرك الأول الملتحف بدائرة النور الكونى قد أحاط نفسه بمظلة سديمية مظلمة تتركب من ضباب المياه وظلام الغمام, فحجبت تلك المظلة السديمية المظلمة أشعة دائرة النور الكونى عن الإشراق على الأرض حجبا تاما.فاحتوت العالم ولفته ظلمة حالكة.

     وقد ظلت تلك المظلة السديمية المظلمة تمتص الأشعة المرئية للنور الكونى وتختزنها حتى تشبعت بها فبدأت تطلقها فى صورة أشعة كونية غير مرئية.

     وهكذا بدأت الأشعة الكونية تتخذ طريقها إلى عالمنا فى صورة غير مرئية أى غير مدركة بالحواس العادية.

     وفى هذا يقول يوحنا الرسول :

     كان النور الحقيقى آتيا إلى العالم كان فى العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم ( يوحنا 1 : 9 - 10 ).

     ولكن لماذا لم يعرف العالم النور الحقيقى ؟

     والجواب لأن النور جاء إلى العالم بطريقة غير مدركة رغم كونه فى العالم والعالم كون به.

     ثم فى الحقبة التى كانت الأرض ما تزال مغمورة بالمياه ومجموعتنا الشـمسية ما تزال فى طور السديمية والظلمة تلف الكون كله قال اللـه ليكن نور فأشرق نور من ظلمة لأنه فى تلك اللحظة وصلت أشعة النور الكونى غير المنظور الذى تتكون جزيئاته من بروتونات والكترونات ونيترونات إلى المجال المغناطيسى للأرض فعمدت هذه الجزئيات إلى مسايرة خطوط المجال المغناطيسى فتكاثفت عند قطبى مغناطيس الأرض ومع استمرار تدفق الأشعة الكونية من الشمال اخترقت بعض الجزيئات المجال الجوى للأرض عند القطبين فحدثت ظاهرة الفجر القطبى الأورورا  أو نور الشمال التى هى فى جملتها تفريغات كهربية فى هواء مخلخل.

      وهذه الظاهرة ينشأ عنها مشهد يختلف في شكله من قوس إلى نافورة من الضياء المتلألىء يصدر عنها أحيانا مجار هائلة من الأنوار المتوهجة التي تبدو كالستائر ذات الألوان العجيبة.

     هذا النور هو نور اليوم الأول الذى إصطلح علي تسميته باســم النور القطبي ( الأورورا ) أو نور الشمال.

     فالنور القطبي إذن هو نور اليوم الأول الذى كشف بولس الرسول عن ماهيته بقوله أن الذى قال أن يشرق نور من ظلمة ( أى من سدم مظلمة ) هو الذى أشرق.

     هذا وتدل الأبحاث العلمية علي تفرد جسيمات الأشعة الكونية بطاقة حركه تفوق طاقه حركة جسيمات الأشعاعات الأخرى. مما يدل على صدور الأشعة الكونية عن مصدر ذى طاقة حركة عظمي أسرع حركة من كل متحرك آخر فى الكون.

     فإذا كان ذلك كذلك فإن الطاقة الأشعاعية الصادرة عنه يمكنها أن تلج وتنفذ في كل شيء لتفرد جسيماتها بطاقة حركة تفوق طاقة حركة جسيمات الأشعاعات الأخرى.

     هذا الإستنتاج المنطقي يثبته سليمان الحكيم بقوله :

     علمت جميع المكنونات والظواهر لأن الحكمة مهندسة كل شىء .. لأن الحكمـة ( المحرك الأول ) أسرع حركة من كل متحرك .. فهي لطهارتها تلج وتنفذ في كل شيء .. لأنها ضياء النور الأزلي ( الحكمة 8 : 21 - 26 ).

     أما نبي اللـه أيوب فقد أعلن تصريحيا أن اللـه هو مصدر النور الكونى غير المرئي بقوله :

     اسمعوا سماعا رعد صوته والزمزمة الخارجة من فيه تحت كل السموات يطلقها كذا نوره إلى أكناف الأرض ( أيوب 37 : 2 - 3 ).

     ودلالة النص واضحة إذ تبين لنا أن اللـه يطلق نوره تحت كل السموات كذا إلي أكناف الأرض. الأمر الذي يثبت أن لهذه الأشعة النورانية طاقة هائلة تمكنها من النفاذ حتى إلي أكناف الأرض.

     وبداهة أن النور لا ينفذ إلي أكناف الأرض إلا في صورة غير مرئية.

     وهكذا يثبت علميا وكتابيا أن الله هو مصدر النور الكونى بصورتيه المرئية وغير المرئية. فالأشعة الكونية غير المرئية والوهج القطبي إذن هما نور ذاك الذى قال أن يشـرق نور من ظلمة أى أن الله الملتحف بالنـور كثوب السـاكن في نور لا يدنى منه هو مصدر الأشعة الكونية والوهج القطبي أو نور الشمال.

     وقد أشار أيوب النبى إلى ظاهرة كونية أخرى هى الزمزمة أو الأصوات غير المسموعة الراديوية التي يطلقها اللـه تحت كل السموات والتى تعرف علميا بظاهرة الأمواج الكونية الراديوية السريعة والمنتظمة.

     ولقد اكتشفت هذه الظاهرة فى أوائل الثلاثينات بواسطة العالم جانسكى خلال قيامه بأبحاث رايوية بمعامل بل, وقد أمكنه من تلك الأبحاث أن يحدد المصدر الكونى لتلك الزمزمة أى الأصوات الراديوية التى لا تسمع بالإذن المجردة.    

      فالمعروف أن الموجات الراديوية الكونية يمكنها أن تنفذ خلال السدم الترابية وأعفار ما بين النجوم دون أن تعاني من امتصاص له قيمه بعكس النور الكوني المرئي. وهذا يسهل تتبع مسارها إلي مسافة أبعد.

      وبهذا استطاع جانسكي أن يرصد المصدر الكوني الذى يرسل تلك الموجات في طول موجي قدره 15 مترا فوجده ينطبق علي مركز المجرة.

     وقد اكتشف أن لهذا الاشعاع الراديوى طيف مستمر مستقطب يبدو أنه ينشأ من الكترونات الأشعة الكونية.

     و يقول العالم بروس بلفن في مؤلفه بناة المستقبل ما نصه :

     أنه ما من واحد في الوقت الحاضر متأكد من مصدر الأشعة الكونية, والشخص أو علي الأرجح الأشخاص الذين يمكنهم حل هذا السر العظيم من أسرار الطبيعة سيعترف الجنس البشرى بجميلهم أبد الدهر.

     وهاهو كتابنا المقدس يكشف عن هذا السر العظيم وعن أسرار أخرى أعظم.  

    فالكتاب المقدس بإعجاز علمى يفوق كل الحدود والتصورات كشف عن وجود ظواهر النور الكوني بصورتيه المرئية وغير المرئية والزمزمة أو الأصوات الراديوية التى لا تسمعها الأذن المجردة التى يطلقها اللـه تحت كل السموات من مركز المجرة قبل أن يكشف العلم الحديث الستار عنها.

     كما سبق العلم في الكشف عن وجود النور أو الوهج القطبي في اليوم الأول قبل أن تضيء الشمس والنجوم.

     والمعجز أن الكتاب المقدس لم يكشف فقط عن هذه الظواهر بل وبين مصدرها وماهيتها.

 

المبحث الثانى

 مصادر أنوار اليوم الرابع

      انتهينا فى المبحث السابق إلى الكشف عن مصدر نور اليوم الأول وأنه كان النور المعروف بنور الشمال أو النور القطبى وعرفنا أن الذى قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذى أشرق وأن نور اليوم الأول الذى هو نور الشمال أو النور القطبى وجد فى وقت لم تكن فيه الشمس أو أى من النجوم قد أضأت بعد إذ كانت ما تزال فى طور التكاثف والتكوين أى ما تزال فى طور السديمية.

     ثم فى اليوم الرابع أى فى الحقبة الزمنية الرابعة من أحقاب تهيئة الأرض وإعدادها لسكنى الإنسان قال اللـه لتكن أنوار فى جلد السماء لتفصل بين النهار والليل وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين فعمل اللـه النيرين العظيمين .. والنجوم وجعلها اللـه فى جلد السماء لتنير على الأرض ( تكوين 1 : 14 - 19 ).

     والواقع أن التفسير العلمى لسطوع أنوار الشمس والنجوم على الأرض فى اليوم الرابع أى فى الحقبة الزمنية الرابعة من مراحل تهيئة الأرض لسكنى الإنسان يتلخص فى أن مادة سدم الشمس والكثير من النجوم قد استكملت تكاثفها ووصلت كتلتها مع سرعة دورانها إلى الحد الحرج أى الحد  الذى تشتعل عنده الأجرام السماوية ذاتيا نتيجة إزدياد ضغط مادة الجرم على مركزه وتزداد قوة الضغط على المركز كلما إزداد الحجم  وازدادات السرعة وعند حد معين تنطلق الطاقة من المركز إلى السطح فيما يشبه الإنفجار لتنتشر فى أرجاء الكون إلا أن سرعة دوران النجم تقوم بجذب معظم المادة المتناثرة فتعود للتكاثف والضغط على المركز مجددا فتنطلق الطاقة وهكذا تشتعل النجوم وتضىء ما حولها دون أن تستنفذ طاقاتها ومادة جرمها سريعا.

     وهكذا ولدت الشمس والنجوم وأشتعلت ذاتيا لتنير على الأرض فى اليوم الرابع فى اللحظة التى قال فيها الله لتكن أنوار فى جلد السماء لتفصل بين النهار والليل وتكون لآيات وأيام وسنين فكان كذلك.

     وهكذا يتضح أن كل ما فى الكون يتكون ويكمل ويعمل وفقا لقانون عام تحكمه إرادة اللـه ومشيئته.

      ثم في اليوم السادس أى فى الحقبة الزمنية السادسة بعد أن تهيأت الأرض لسكنى الإنسان خلق اللـه الإنسان على صورته وشبهه على صورة الله خلقه.

 

القسم الثالث

السموات الثلاث

وموقعها فى الفلك

 

تمهيد

ماهية السموات الثلاث

       المحقق كتابيا وجود ثلاث سموات كالتالى :

 السماء الأولى :

     هى السماء المحيطة بكوكبنا الأرض.

 السماء الثانية :

     هى سماء السموات أى السماء المحيطة بجميع سموات الكواكب والنجوم  وهى التى اصطلح العلماء على تسميتها بدائرة السماء أو القبة السماوية.

 السماء الثالثة :

     هى سـماء الفردوس مسـكن الله مع الناس فى الأبدية حيث مـا لا عين رأت ولا أذن سمعت ما أعده اللـه للذين يتقونه.

       هذه السموات الثلاث هى موضع دراستنا فى الفصول الثلاث التالية.

 

 

الفصل الأول

الســماء الأولى

    

     السماء الأولى هى سماء الأرض وقد دعاها هكذا يوحنا الرائى بقوله :

     ثم رأيت سماء جديدة وأرضا جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى قد مضتا ( رؤيا 21 : 1 ).

     فالسماء الأولى كما نرى هى سماء الأرض الأولى وقد  ثبت علميا أنها تقع على بعد 30.000 سنة ضوئية شمال محور دوران مجرتنا الطريق اللبنى أو سكة التبانة.  

     وهذه السماء الأولى تقع ضمن كواكب المجموعة الشمسية التى تتكون من الشمس وإحدى عشر كوكبا تدور حولها كالتالى.

1   -  عطارد         2  -  الزهرة              3  -  الأرض

4   -  المريخ         5  -  الكويكبات           6  -  المشترى 

7   -  زحل           8  -  أورانوس           9  -  نبتون 

10 -  بلوتو          11 -  يوبى 313

 

  

  الفصل الثانى

السـماء الثانية

      السماء الثانية هى سماء السموات أى السماء المحيطة بسماء الأرض وسموات جميع  الكواكب والنجوم.

     هذه السماء المحيطة هى دائرة السماء أو القبة السمائية .

     يقول نحميا النبى :

    أنت صنعت السموات وسماء السموات وكل جندها ( نحميا 9 : 6 ).

     ويقول داود النبى :

     يا ممالك الأرض غنوا للـه رنموا للسيد .. للراكب على سماء السموات القديمة ( مزمور 68 : 32 , 33 ).

    ويقول سليمان الحكيم :

    هو ذا السـموات وسماء السـموات لا تسعك فكم بالأقل هـذا البيت الذى بنيت ( أخبار الأيام الثانى 6 : 18 ).

     فسماء السموات إذن هى السماء المحيطة بسماء الأرض وسموات الكواكب والنجوم وتسمى بدائرة السموات .

     وفى هذا يقول أيوب النبى :

     كيف يعلم اللـه هل من وراء الضباب يقضى. السحاب ستر له فلا يرى وعلى دائرة السموات يتمشى ( أيوب 22 : 13 - 14 ).

     وأيضا تقول كلمة الله :

     سكنت فى الأعالى وجعلت عرشى فى عمود الغمام. أنا وحدى جلت فى دائرة السماء ( ابن سيراخ 24 : 7 - 8 ).

     فدائرة السموات إذن هى سماء السموات المحيطة بسموات الأرض والكواكب والنجوم أى أنها دائرة المجرة.

 

  الفصل الثالث

الســماء الثالثة

     يقول بولس الرسول :

    أعرف إنسانا فى المسيح .. إختطف هذا إلى السماء الثالثة .. إختطف إلى الفردوس ( كورنثوس الثانية 12 : 2 - 4 ).

    من نص الآية يتضح أن السماء الثالثة هى سماء الفردوس.

     وتقول كلمة اللـه :

     من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شـجرة الحيوة ( شجرة الكرمة ) التى في وسط فردوس اللـه ( رؤيا 2 : 7 ).

     ويقول يوحنا الرائى :

     وذهب بى الروح إلى جبل عظيم عال وأرانى المدينة العظيمة أورشليم المقدسة .. فى وسط سوقها .. شجرة حيوة  .. لشفاء الأمم ( رؤيا 21 : 1 , 10 ) ( رؤيا 22 : 1 , 2 ) .

     من الآيات السابقة يتضح أن السماء الثالثة هى سماء الفردوس الذى تقع فى وسطه شجرة الحياة التى تقع أيضا كما يقول الرائى فى وسط المدينة العظيمة أورشليم السمائية الأمر الذى يعنى أن الفردوس وأورشليم السمائية هما موضع واحد وأن السماء الثالثة هى سماء أورشليم السمائية.

  

موقع الفردوس

      يقول حزقيال النبى :

       وكان إلى كلام الرب قائلا  يا ابن آدم إرفع مرثاة على ملك صـور ( ضد المسيح مستعلنا ) وقل له هكـذا قال السيد الرب أنت خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال كنت فى عدن ( الكرمة بالسريانية ) جنة الله ( فردوس الله ) .. أنت الكروب المنبسط المظلل. أنا أقمتك وقد كنت على جبل الله المقدس. أنت كامل فى طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم .. فأطرحك من جبل الله وأبيدك أيها الكروب المظلل .. سأطرحك إلى الأرض وأجعلك أمام الملـوك لينظـروا إليـك ( حزقيال 28 : 11 - 17 ).

     من الآيات السابقة يتضح أن الشيطان الكروب الساقط يدعوه الله ملك صور باعتبار ما سيكون فى الزمان الآخير عند استعلانه على الأرض ملكا على مدينة صور اللبنانية قد طرح إلى الأرض من عدن ( أى من موضع الكرمة شجرة الحياة ) فردوس اللـه التى يدعوها الكتاب أيضا باسم جبل اللـه المقدس.

     ولكن أين يقع جبل الله المقدس موضع الكرمة أو فردوس الله من حيث طرح الشيطان على الأرض. لأنه من البديهى أن الفردوس الذى طرح منه الشيطان إلى الأرض كائن فى موقع محدد فى الكون.

     هذا الموقع حدده إشعياء النبى بقوله فى مرثيته على الشيطان :

     كيف سقطت من السماء يازهرة بنت الصبح ( لوسيفر ) وأنت قلت فى قلبك أصعد إلى السموات أرفع كرسى فوق كواكب الله ( الملائكة ) وأجلس على جبل الإجتماع فى أقاصى الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب أصير مثل العلى. لكنك إنحدرت إلىالهاوية إلى أسافل الجب ( إشعياء 14 : 12 - 14 ).

     من النص السابق يتضح أن جبل الإجتماع أو جبل الله أو الفردوس يقع فى أقاصى الشمال الكونى أى فى اتجاه مركز دوران مجرتنا تحديدا.

     وقد بينت الأبحاث العلمية أن مجرة درب التبانة هى واحدة من واحد وثلاثون مجرة محلية تعرف بتجمع الكلوسترا المحلية تدور حول مجرة أندروميدا ( المرأة المسلسلة ) وهذه الكلوسترا المحلية واحدة من ثمانى مجموعات كلوستر تدور حول تجمع أكبر منهم يعرف بتجمع العذراء الكلوستر التى يقع مركزه فى اتجاه نصف الكرة الشمالى وهذا المركز عبارة عن مجموعة العذراء الكلوستر نفسها [7].

     والآيات التى تثبت أن أورشليم السمائية جبل اللـه كائنة فى أقاصى الشمال متعددة نذكر منها قول دواد النبى :

     عظيم هو الرب وحميد جدا فى مدينة إلهنا جبل قدسه. فرح كل الأرض ( أى سكان الأرض ) جبل صهيون ( أى أورشليم الأرضية ) فرح أقاصى الشمال ( أى الملائكة سكان أقاصى الشمال ) مدينة الملك العظيم ( أى أورشليم السمائية ) اللـه فى قصورها يعرف ملجأ ( مزمور 48 : 1 - 2 ).

       ودلالة الآية أن للرب الإله مدينتان واحدة أرضية والأخرى سمائية كائنة فى أقاصى الشمال الكونى وأن كليهما موضع فرح سكانها.

     وفى المجىء الثانى لرب المجد سيخرج من الشمال ويأتى من مشرق الشمس وفى هذا تقول كلمة الله :

     قد أنهضـته من الشــمال فيـأتى من مشـرق الشـمس يدعو باسـمى ( إشعياء 41 : 25 ).

     والسؤال الذى يفرض نفسه الآن هو إذا كانت أورشليم السمائية كائنة فى أقاصى الشمال كما جاء فى الكتب المقدسة فلماذا لم ترصدها اللاقطة التلسكوبية الحديثة والتى تمكن بها العلماء من رصد أطراف الكون.

     الواقع أن العلماء عندما وجهوا اللاقطة التلسكوبية الحديثة فى اتجاه الشمال الكونى أظهرت الصور الملتقطة وجود سحابة سوداء عظيمة شديدة الإظلام ممتدة على الشمال تحجب ما خلفها حجبا تاما حتى أن موضعها يبدو كالخلاء.    

     ولكن ما عجزت اللاقطة التلسكوبية الحديثة عن رصده خلف السحابة المظلمة الممتدة على الشمال الكونى رصده أيوب النبى الملهم بالروح القدس بقوله أن اللـه "  يمد الشمال على الخلاء .. يحجب وجه كرسيه باسـطا عليه سـحابة "

( أيوب 26 : 7 , 9 ).

          ويبدو أن أيوب النبى  قد سبق اللاقطة التلسكوبية فى مسح السماء بحثا عن اللـه وعرشه بقوله :

     " أين الطريق إلى حيث يسكن النور ( اللـه ) والظلمة ( السحابة المظلمة التى تحجب عرشه ) أين مقامها. من يعطينى أن أجده فآتى إلى كرسيه. هأنذا أذهب شرقا فليس هو هناك وغربا فلا أشعر به. شمالا حيث عمله ( أى حيث مقر حكمه ) فلا أنظره ( لأن اللـه حجب موضع كرسيه بأن بسط عليه سحابة ) يتعطف الجنوب فلا أراه " ( أيوب 23 : 3 , 8 , 9 ).

     وهكذا رغم علم أيوب بأن عرش اللـه وعمله فى الشمال لم يستطع أن ينظره لأن الله بسط عليه سحابة.

     ومع ذلك فإن الله لا يترك نفسه بلا شاهد والشاهد هذه المرة هى إبرة مغناطيسية صغيرة تشير باستمرار إلى الشمال الكونى إلى حيث يسكن النور.

     والفرض العلمى الوحيد الذى يعلل إتجاه الإبرة المغناطيسية باستمرار فى إتجاه الشمال الكونى هو افتراض وجود محرك أول تصدر عن سرعة دورانه الأسرع حركة من كل متحرك طاقة مغناطيسية لا مثيل لها فى الكون هى علة جذب الإبرة المغناطيسية لتشير باستمرار إلى أقاصى الشمال حيث الله وعرشه ومدينته المقدسة.

 

المقصود بأقاصى الشمال

         الناظر فى أطالس النجوم سيجد أن كوكبنا الأرض يقع على بعد 30.000 سنة ضوئية شمال محور دوران مجرة الطريق اللبنى أو سكة التبانة.  

     وتبين الأبحاث العلمية أن العلماء اكتشفوا فراغا هائلا فى الفضاء فى كوكبة العواء التى تقع فى نصف الكرة الشمالى  تمتد لمئات الملايين من السنوات الضوئية لم يكن أحد من العلماء يعلم بها [8].

      ولكن ما لم يعلم به العلماء أثبته أيوب النبى بقوله :

      يمد الشمال على الخلاء .. يحجب وجه كرسيه باسـطا عليه سـحابة " ( أيوب 26 : 7 , 9 ).

 

      كما أظهرت الأبحاث أيضا أن مجموعة المجرات الكلوستر المحلية التى تعد مجرتنا واحدة منها تدور مع ثمانى مجموعات مجرية كلوستر حول مجموعة العذراء الكلوستر التى يمكن رصدها فى اتجاه نصف الكرة الشمالى.

       كما أظهرت البحوث العلمية أيضا أن المادة الحاجبة الموجودة فى المستوى المركـزى للمجـرات والتى تحجب دائرة النور الكونى أو نور الله السـاكن فى نـور لا يدنى منه تتركب من بقايا كونية وأتربة وغازات تحتوى على جزئيات متأينة من مركبات الأيدروجين والأكسجين والهليوم والكربون والأزوت والسليكون والكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والتيتانيوم والحديد أى أن هذه السحب السوداء تتكون من أتربة وعناصر ومياه الأمر الذى تثبته كلمة اللـه القائلة :

     هو ذا بسـط نـوره على نفسه ثم يتغطـى بأصـول اليـم ( أى بالسحب ) ( أيوب 36 : 30 ) .

        جعل الظـلمة سـتره حـوله مظلتـه ضباب الميـاه وظلام الغمـام ( مزمور 18 : 11 ).

       وأخيرا تكشف الأبحاث العلمية أن مجموعة العذراء الكلوستر التى تدور حولها مجموعة الكلوستر المحلية التى بها مجرتنا تقع فى الشمال الكونى[9].

------------------

[1]  -  محمد جمال الدين الفندى " الغلاف الهوائى " ص 15

[2]  -  مرشد الطالبين للكتاب المقدس الثمين ص573 - 576

[3]  -  باتريك مور " حقائق عن الأرض " ص 27 , 104 

[4]  -  " سلسلة آباء الكنيسة " الكتاب الأول الطبعة الأولي فيلوباترون 1992 ص 32

[5] -  جلال عبد الفتاح " الكون ذلك المجهول " 1998 ص 99 , 219

[6]  - آى. نوفباكوف " الثقوب السوداء مولدات كهربائية هائلة فى الكون " مجلة الثقافة العالمية نوفمبر 1989 ص 45

[7] -  جلال عبد الفتاح " الكون ذلك المجهول " 1998 ص 99 , 219

[8]   -  جلال عبد الفتاح " الكون ذلك المجهول " 1998 ص 157

[9]   -  جلال عبد الفتاح " الكون ذلك المجهول " 1998 ص 219

 

 

 

أهم المراجع

 أولا : المراجع الكنسية

1   -  الكتـاب المقـدس منشورات المطبعة الكاثوليكية بيروت

2   -  كتاب الدسقولية ( تعاليم الرسل ) إعداد د. وليم سليمان قلاده                             1979

3   -  الآباء الرســوليون تعريب البطريرك إلياس الرابع منشورات النور                   1982

4   -  مرشـد الطالبيـن للكتـاب المقـدس الثمـين                                           1909

5   -  أثناسيوس الرسولى " رســـــالة إلى الوثنيين "                                   1981

6   -  القمص تادرس يعقوب ملطى " آباء مدرسة الإسكندرية الأولون "                       1980

7   -  القمص ميخائيل مينا " علم اللاهوت " المجلد الأول الطبعة السادسة                     1976 

8   -  الأنبا إيسيذورس " المطالب النظرية فى المواضيع الإلهيـة "                           1985

9   -  الأنبا إيسيذورس " الأخاء والسلم بين الدين والعلم "                                    1930

10  -  الأنبا أرسانيوس " الكتاب المقدس معجزة "                                             1980

11  -  مهندس وهيب عزيز خليل " إستحالة تحريف الكتاب المقدس " الطبعة الثانية         1978

12  -  هنرى م. موريس " الكتاب المقدس ونظريات العلم الحديث " ترجمة نظير عريان     1989

13  -  د. فوزى إلياس " الكتاب المقدس والعلم الحديث "                                      1987

14  -  أسامة يوسف عزمى " ورأى الله ذلك أنه حسن "                                

15  -  د. وديع ميخائيل " أين هم الموتى ؟ "                                     

16  -  أمير جيد " المسيحية وفلسفة العلم " دار الثقافة                                     

 ثانيا : المراجع العامة

17  -  د. عزت قرنى " الفلسفة اليونانية إبتداء من أرسطو " مكتبة سعيد رأفت            

18  -  د. صلاح عدس " ملامح الفكر الأوربى المعاصر " كتاب الهلال                         1976 

19  -  عبد الحميد سماحة " مقدمة فى علم الفلك "  الطبعةالأولى                               1949 

20  -  سعد شعبان " أعماق الكون "                                                        

21  -  محمد مسعود " كيف تكونت الكواكب " مجلة رعمسيس المجلد الرابع مارس 1915 

22  -  محمد جمال الدين الفندى " الغلاف الهوائى " المكتبة الثقافية                           1964 

23  -  ا. فايجرت , هـ. تسرمان " الموسوعة الفلكية " الهيئة المصرية العامة للكتاب        1990

24  -  جون براندت , ستيفن ماران " أفاق جديدة فى علم الفلك "                             1979 

25  -  إديث راسكين " العالم من حولنا "                                                      1965 

26  -  باتريك مور " حقائق عن الأرض " ترجمة فؤاد عبد العال                              1964 

27  -  جون لويس " الإنسان ذلك الكائن الفريد "                                              1976 

28  -  بروس بلفن " بناة المستقبل "                                                         1943     

 

 

صدر للمؤلف

شـهود يهـوه والمؤامـرة ضد المسـيحيـة             

 

1990

الكتاب المقدس مفتاح العلم وأسـرار الكــون  

 

1992

المســــيح الدجــال الخـطـر القــادم   

 

الطبعة الأولي

 الطبعة الثانية  

1993

1994

المجـىء الثـانـي هـل هـو علي الأبواب؟  

 

1994

اختصاصات القضـاء الكنسـي في مصــر   

 

1994

6

ســـــــر عـدد الوحـــــش 666       

 

الطبعة الأولي

الطبعة الثانية    

1995

1997

هـل ولـد المســـــيح الدجـــــال؟   

 

1997

إخـــــراج الشــــــــــياطـين   

 

1997

الأطـباق الطـائرة هل هي مركبات الكروبيـم؟

 

1997

10 

عـبادة الشـــيطان ( ضـد المســـيح )

 

1998

11

ســـــــــر المســــــــــيح          

 

2005

الإصدارات الإلكترونية

12

نظــــم الكنيســــــة القبطيــــة

 

2002

13

بدعة إخضاع المرأة لناموس الفرائض اليهودية

 

2002

14

إنحـلال الـزواج فى الشــريعة المسـيحية

 

2002

15

مشكلة الأحوال الشخصية للمسيحيين المصريين

 

2002

16

المركــــــز القانونـــى للأقبـــاط

 

2002

17

التاريــخ الحقيقــى لمصــــر القديمـــة

 

2002

18

ســـــــفر عهـــــــد الـــــرب

 

2005

19

بطـلان الإعتراضــات على الكتـاب المقــدس

 

2006

20

المذاهــــــــب المنحرفــــــــــة

2006 

الكتاب المقدس مفتاح العلم وأسرار الكون

THE HOLY BIBLE  KEY OF SCIENCE

AND SECRETS OF THE UNIVERSE

  By

Magdy Sadek 

www.oocities.org/theholybiblekeyofscience

www.oocities.org/thelogoscenter

magdy2014@hotmail.com

 

 

 

 

 

www.oocities.org/thebiblicaltruth

 

www.oocities.org/sotalakbat

 

www.oocities.org/thesecondark2014

  magdy2014@hotmail.com

 

     

صدر للمؤلف     1-  الكتاب المقدس مفتاح العلم وأسرار الكون    2-  تفنيد الاعتراضات على الكتاب المقدس     3 -  سـر المسيح    4-  إخراج الشياطين    5-  المجىء الثاني علي الأبواب؟    6-  سر عدد الوحش 666       7-  سفر عهد الرب     8- المسيح الدجال الخطر القادم     9- الأطباق الطائرة هل هي مركبات الكروبيم؟     10- هل ولد المسيح الدجال؟     11- عبادة الشيطان ( ضد المسيح )     12- المذاهب المنحرفة     13- شهود يهوه والمؤامرة ضد المسيحية     14- بدعة إخضاع المرأة لناموس الفرائض اليهودية    15- نظم الكنيسة القبطية     16- اختصاصات القضاء الكنسي في مصر    17- إنحلال الزواج فى الشريعة المسيحية     18- مشكلة الأحوال الشخصية للمسيحيين المصريين     19- المركز القانونى للأقباط   20-  التاريخ الحقيقى لمصر القديمة

     
             
                         
     

 

تم التحديث فى  1 / 12 / 2007

 

جميع حقوق الطبع والنشر والترجمة محفوظة للمؤلف