قصة القرى السبع تواريخ و أرقام

بقلم الكاتب اللبناني ناجي جرجي زيدان

العهد ـ الجمعة 11 ذو الحجة 1420 هجري

سميت بالقرى السبع لأنها سبع قرى جنوبية سلخت عمليا عن لبنان عام 1936 و هي التالية: هونين, مساحتها 12840 دونما, و اسمها الأن "مرجليوت"ـ قدس, مساحتها 12 دونم, اسمها الان" تل قدس " ـ النبي يوشع, مساحتها ألفا دونم اسمها الان " متسودت يسع"ـ إبل القمح, مساحتها 17 الف دونم واسمها الان "كفر يوفال" ـ طيربيخا مساحتها 35 الف دونم واسمها الان " شومرة " ـ صلحا مساحتها عشرة ألأف دونم و اسمها الان " يرؤون " ـ المالكية مساحتها 7 الاف دونم واسمها الان " مالكية ". مساخة هذه القرى مجتمعة ما يقارب 96 الف دونم. فإذا استعاد لبنان ذات يوم قراه السبع تصبح مساحته الجديدة 10452 كلم مربع + 96 الف دونم. أبناء هذه القرى هم لبنانيون أقحاح. أما أسباب سلخ هذه القرى عن وطنهم الأم لبنان, فقد مرت بمراحل متتابعة في سياق التجاذب الفرنسي ـ البريطاني منذ العام 1918, و ذلك بتحريك من الصهيونية العالمية ابتداء من العام 1896 و حتى العام 1922 , لمحاولتها السيطرة على مياه الليطاني. أما أهم المراحل من فصول المؤامرة اليهودية للسيطرة على هذه القرى السبع اللبنانية و على شمال بحيرة الحولة و سهلها: عام 1862 وضع الجيش الفرنسي خريطة تبين ان شمال بحيرة الحولة و سهلها كانا تابعين لقضاء مرجعيون, و كان عدد سكانها آنذاك 5790 نسمة موزعين كالتالي: 150 مارونيا, 180 أرثوذكسيا, 2220 درزيا, 3140 سنة, و بذالك يكون سهل الحولة و شمال بحيرته تاريخيا من الأراضي اللبنانية.(ملاحظة: الخريطة الأصلية موجودة لدى معالي الوزير ميشال إده, و نسخة منها لدى وزارة الدفاع اللبنانية قسم الطبوقرافية). في العام 1896 و بإيعاز سري من الصهاينة بعد مؤتمرهم في بال ـ سويسرا صادر الصهاينة 12800 دونم من بلدة المطلة التابعة لقضاء مرجعيون, و أنشأوا مستوطنة بلغ عدد سكانها عام (1900) 284 نسمة, علما أن بلدة المطلة تبعد عن المستوطنات في الجنوب الغربي لبحيرة الحولة حوالي 25 كيلومتر. و كان الهدف من إنشاء هذه المستوطنة وضع يدهم مستقبلا على نهر الليطاني الذي يبعد عن المطلة 4 كيلومترات.

و في العام 1910 تقربيا أنشأ اليهود مستوطنة صغيرة ثانية قرب المطلة و سميت ب"تل حي" و في 16 أيار 1916 و بموجب إتفاقية سايكس ـ بيكو, حددت منطقة النفوذ الفرتسي ممن إسكندرونة شمالا إلى صور جنوبا, على أمل التوصل إلى تحديد فعلي للحدود في ما بعد. وفي العام 1918 قدم الفرنسيون إقتراحا بأن تكون حدود لبنان مع فلسطين من رأس الناقورة و حتى شمال بحيرة الحولة. و لقد رفض الانكليز بناء لطلب الصهاينة هذا الاقتراح تحت ذريعة ان اليهود المقيمين في مستعمرة المطلة لا يرغبون في الانضمام الى دولة لبنان الكبير, ضاربين بعرض الحائط رأي أبناء الحولة الأصليين من السحيين و المسلمين و الدروز بالانضمام إلى لبنان. و بدأ الصهاينة في فلسطين بعد سقوط الامبراطورية العثمانية عام 1918 جاهدين بالتعاون مع البريطانيين لكي تصل حدودهم الى جنوب صيدا لوضع يدهم على نهر الليطاني. وفي 17 اذار 1919 طالب الصهاينة في مؤتمر السلام في فرساي ان تكون حدود مع فلسطين من جنوب صيدا و تضم في الواقع كل نهر الليطاني. و قدم الانكليز في العام 1919 اقتراحا للفرنسيين بأن تكون حدود لبنان مع فلسطين حتى شمال صور و بانياس السورية(في الجولان), وعلى ان يكون مجرى الليطاني الخط الفاصل بين لبنان و فلسطين. و قد رفض الفرنسيون هذا الاقتراح. بدأ الصهاينة بإفشال خطة ترسيم الحدود حتى بحيرة الحولة بكل أنواع الخداع و التضليل, ففي الأول من آذار 1920 قامت مجوعة من العناصر المسلحة(من المفترض ان تكون بتأثير من الصهاينة) بقتل 7 حراس يهود في مستعمرة تل حي قرب المطلة و من بين القتلى رمز صهيوني شهير هو يوسف ترمبلدور. و هنا استغل اليهود إعلاميا و سياسيا هذه الحادثة المفتعلة و ضغطوا على الفرنسيين و الانكليز بأن يعدلوا الحدود المتفق عليها بينهم حتى تشمل شمال بلدة المطلة و بذلك ينجح اليهود بسلخ سهل الحولة و بلدة المطلة و أراضي القرى السبع عن قضاء مرج عيون و صور, بما يسمى الآن باصبع الجليل

و في العام 1920 كان الاتفاق المبدئي بين برتيلو الممثل الفرنسي و أفا تستار الممثل البريطاني حول الحدود الفاصلة بين الانتدابين, و تم إعلان دولة لبنان الكبير, و أبقى الحدود الجنوبية لهذه الدولة مفتوحة. وأرسل حاييم وايزمن رئيس منظمة الصهيونية العالمية في العام 1920 رسالة شهيرة الى اللورد كورزون وزير خارجية بريطانيا يقول فيها ان فلسطين بدون الليطاني لا يمكن لها أن تعيش. و وقع في العام 1920 إتفاق بين الانكليز و الفرنسيين قضى بترسيم جديد للمثلث الحدودي اللبناني الفلسطيني السوري. وفي العام 1921 تم احصاء السكان في لبنان الكبير من قبل الفرنسيين بما في ذلك أبناء القرى السبع على انهم مواطنين لدولة لبنان الكبير, و حصل أبناء هذه القرى على تذاكر نفوس صادرة عن دولة لبنان الكبير. و لكن في 3 شباط 1922 تم الاتفاق بين الخبراء الفرنسيين و البريطايين على الحدود الدولية الجديدة للبنان و فلسطين و سوريا, و سلخ عن لبنان الكبير القرى السبع. و في 7 آذار 1923 صادقت الحكومة البريطانية و الفرنسية على ما توصل اليه الجانبان من ترسيم الحدود بين لبنان و سوريا و فلسطين. و في 10 آذار 1923 نفذ الاتفاق رغم اعتراض الحكومة السورية, أما لبنان فقد لزم الصمت. تنازلت السلطات الفرنسية عما يقارب كامل المنطقة اللبنانية من الحولة لمصلحة الانتداب البريطاني, و ذلك في 23 حزيران 1923. غير أن الاقتطاع الرسمي للقرى السبع من جبل عامل بموجب إتفاق في مدينة القدس في فلسطين بين بريطانيا و فرنسا, كان في 2 شباط 1926

و هكذا تجد أن ترسيم الحدود بين لبنان و فلسطين و بين سوريا و فلسطين كان تحت ضغط الصهيونية العالمية . و في نيسان 1947 سقطت بلدة النبي يوشع بأيدي اليهود بعد معركة بطولية مع أهلها, و أعقبها في 29 تشرين الثاني 1947 صدور قرار تقسيم فلسطين ذي الرقم 181. و نشبت في 13 أيار 1948 معركة ضارية بين الجيشين اللبناني و الاسرائيلي في بلدة المالكية و سقط فيها الشهيد النقيب محمد زغيب و جرح المناضل معروف سعد, غير أن هذه البلدة سقطت بأيدي المحتلين في 15 تشرين الأول 1948 و ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة فظيعة في بلدة صلحا في العام 1948 ذهب فيها 105 شهداء. في 23 آذار 1949 وقع لبنان إتفاق الهدنة مع "إسرائيل" و هنا وقع أبناء القرى السبع بعد تهجيرهم بلداتهم عام 1947 و 1948 من قبل اليهود بين فكي كماشة في لبنان. فمن جهة إضطر الأهالي للهروب من المجازر الاسرائيلية خصوصا التي ارتكبت في بلداتهم. و من جهة ثانية فإن الحكومة اللبنانية آنذاك لم تقدم لهم العون اللازم و تحتضنهم كمواطنين لبنانيين, علما أن سجلات النفوس لهذه القرى موجودة في صور و مرجعيون و اسماؤهم مدونة في السجلات منذ العام 1921, يضاف أن المحاكم الشرعية مليئة بأوراقهم الثبوتية. للأسف هناك تشويش على هذه المسألة من فئات سياسية لبنانية وهذه الفئات تقسم قسمين: الفئة الأولى هي التي تتعاطى مع هذا الملف(أي القرى السبع) طائفيا. و قد رأينا هذه الفئة عندما قدم الطعن بقانون الجنسية الأخير, واعتبر ان بعض المواطنين من القرى السبع ليسوا لبنانيين و أن بعضهم الآخر لباني وفقا لمعاييره الطائفية, علما انه لدينا تحفظ تجاه الحكومة اللبنانية التي منحت أبناءها من القرى السبع الجنسية اللبنانية بدل الاستعادة لجنسيتهم اللبنانية, لأن أبناء هذه القرى هم مواطنون لبنانيون. و ليسوا غرباء حتى نمنحهم الجنسية. أما الفئة الثانية, فهي تتكون من أشخاص يخشون ان تعدل الحكومة الإسرائيلية بترسيم الحدود إذا طالب لبنان بهذه القرى. إلى هذه الفئة نقول ان التفاف الحكومة و الشعب اللبناني خلف مقاومته التي أثبتت انها قادرة على إذلال العدو و إجباره على الخروج من أراضيها بطريقة مهينة, فإن لبنان قادر على استعادة القرى السبع, كما استعاد الشعب الفرتسي الذي وقف خلف مقاومته زمن الحرب العالمية الثانية مقاطعتي الألزاس و اللورين. انتهى