باب امور تكون بين يدى الساعة

البخارى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، ويكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض، وحتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذى يعرضه عليه: لا أرب لى فيه، وحتى يتطاول الناس فى البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتنى مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس أجمعون فذلك حين {لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا} [الأنعام: 185] ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها).

فصل: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: هذه ثلاث عشرة علامة جمعها أبو هريرة فى حديث واحد، ولم يبق بعد هذا ما ينظر فيه من العلامات والأشراط فى عموم إنذار النبى صلى الله عليه وسلم فساد الزمان، وتغيير الدين، وذهاب الأمانة، ما يغنى عن ذكر التفاصيل الباطلة، والأحاديث الكاذبة فى أشراط الساعة، من ذلك حديث ما رواه قتادة عن أنس ابن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فى سنة مائتين يكون كذا وكذا، وفى العشر والمائتين يكون كذا وكذا، وفى العشرين كذا وفى الثلاثين كذا، وفى الأربعين كذا، وفى الخمسين كذا، وفى الستين والمائتين تعتكف الشمس ساعة فيموت نصف الجن والإنس، فهل كان هكذا وقد مضت هذه المدة، وهذا شىء يعم سائر الأمور التى ذكرت قد تكون فى بلدة وتخلو منه أخرى، فهذا عكوف الشمس لا يخلو منه أحد فى شرق ولا غرب، فإن كان المائتين من الهجرة فقد مضت، وإن كان من موت النبى صلى الله عليه وسلم فقد مضت وأيضًا دلالة أخرى على أنه مفتعل لأن التاريخ لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما وضعوه على عهد عمر رضى الله عنه، فكيف يجوز هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال فى سنة مائتين أو سنة عشرين ومائتين ولم يكن وضع شىء من التاريخ؟.

وكذلك ما روى عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم إذا كانت سنة تسع وتسعين وخمسمائة يخرج المهدى فى أمتى على خلاف من الناس يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا وظلمًا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ويفتح الله تعالى له كنوز الأرض، وتنزل السماء قطرها، وتخرج الأرض ثمرها، ويزرع فى الأرض صاعا فيصيب مائة صاع، ويذهب الغلاء والقحط والجوع عن الناس، ويجوز إلى الأندلس ويقيم فيها ويملكها تسع سنين ويستفتح فيها سبعين مدينة من مدائن الروم ويغنم رومية وكنيسة الذهب فيجد فيها تابوت السكينة وفيها غفارة عيسى وعصا موسى عليهما الصلاة والسلام، فيكسرون العصا على أربعة أجزاء، فإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم النصر، والظفر، ويخرج عليهم ذو العرف فى مائة ألف مقاتل بعد أن يتحالف الروم أنهم لا يرجعون أو يموتون، فينهزم المسلمون حتى يأتوا سرقسطة البيضاء، فيدخلوها بإذن الله تعالى ويكرم الله من فيها بالشهادة ولا يكون للمسلمين بعد خراب سرقسطة سكنى ولا قرار بالأندلس، ويتنهون إلى قرطبة فلا يجدون فيها أحدا لما أصاب الناس من شدة الفزع من الروم يهربون من الأندلس يريدون العدو، فإذا اجتمعوا على ساحل البحر ازدحموا على المراكب فيموت منهم خلق كثير فينزل الله إليهم ملكا فى صورة إبل فينجو من نجا ويغرق من غرق.

قلت: كل ما جاء فى هذا الحديث فمذكور فى حديث حذيفة وغيره، وإنه المنكر فيملك الروم والأندلس إلى خروج الدجال.

ومنه تعيين التاريخ وقد كان سنة تسع وتسعين وخمسمائة ولم يكن شىء من ذلك، بل كان بالأندلس وقعة الأرك التى أهلك الله فيها الروم، ولم يزل المسلمون فى نعمة وسرور إلى سنة تسع وستمائة فكانت فيها وقعة العقاب هلك فيها كثير من المسلمين، ولم يزل المسلمون فى تلك الوقعة بالأندلس يرجعون القهقرى إلى أن استولى عليهم العدو وغلبهم بالفتن الواقعة بينهم والتفصيل يطول، ولم يبق الآن من الأندلس إلا اليسير، فنعوذ بالله من الفتن والخذلان والمخالفة والعصيان وكثرة الظلم والفساد والعدوان. والذى ينبغى أن يقال به فى هذا الباب أن ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم من الفتن والكوائن أن ذلك يكون وتعيين الزمان فى ذلك من سنة كذا يحتاج إلى طريق صحيح يقطع العذر، وإنما ذلك كوقت قيام الساعة فلا يعلم أحد أى سنة هى ولا أى شهر أما إنها ستكون فى يوم جمعة فى آخر ساعة منه وهى الساعة التى خلق الله فيها آدم عليه الصلاة والسلام، ولكن أى جمعة لا يعلم تعيين ذلك اليوم إلا الله وحده لا شريك له، وكذلك ما يكون من الأشراط تعيين الزمان لها لا يعلم، والله أعلم.

وقد سمعت من بعض أصحابنا: أن ما وقع من التاريخ فى حديث أبى سعيد الخدرى إنما ذلك بعد المائة التى قال النبى صلى الله عليه وسلم: (إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة). وفى رواية: قال أنس ذلك الغلام من أترابى يومئذ. خرجه مسلم.

وفى حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض نفس منفوسة يعنى اليوم يأتى عليها مائة سنة).

قال أبو عيسى: هذا الحديث حسن صحيح. ومعلوم أن أنس توفى فى عشر المائة بالبصرة، فعلى هذا يكون سنة سبع وتسعين وستمائة، وهذا لم يجىء بعد، فالله تعالى أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: وبحديث أبى موسى وأبى سعيد الخدرى وابن عمر وجابر استدل من قال إن الخضر ميت ليس بحى، وقال الثعالبى فى كتاب العرائس: والخضر على جميع الأقوال نبى معمر محجوب عن الأبصار.

وذكر عن عمرو بن دينار قال: إن الخضر وإلياس لا يزالان يحييان فى الأرض، فإذا رفع القرآن ماتا، وهذا هو الصحيح فى الباب على ما بيناه فى سورة الكهف من كتاب جامع أحكام القرآن، والحمد لله.

فصل: وأما الثلاث عشرة خصلة، فقد ظهر أكثرها من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة) يريد فيه معاوية وعليا كرم الله وجهه بصفين، وقد تقدم الإشارة إليهما قال القاضى أبو بكر بن العربى وهذا أول خطب طرق فى الإسلام.

قلت: بل أول أمر دهم الإسلام موت النبى صلى الله عليه وسلم ثم بعده موت عمر، فبموت النبى صلى الله عليه وسلم انقطع الوحى وماتت النبوءة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه، قال أبو سعيد: ما نفضنا أيدينا من الترب من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا.

وقال أبو بكر الصديق فى أبيات يرثى بها النبى صلى الله عليه وسلم:

فلتحدثــن حـــوادث مــن بعــده تعنــى بهــن جوانــح وصــــدور

وقالت صفية بنت عبد المطلب فى أبيات ترثى بها النبى صلى الله عليه وسلم:

لعمــرك مـا أبكـى النبـى لفقـــده ولكـن مـا أخشـى من الهرج آتيا

وبموت عمر سل سيف الفتنة وقتل عثمان، وكان من قضاء الله وقدره ما يكون، وكان على ما تقدم.

وقوله: حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين. الدجال ينطلق فى اللغة على أوجه كثيرة يأتى ذكرها. أحدها الكذاب كما جاء فى هذا حديث.

وصحيح مسلم: (يكون فى آخر الزمان دجالون كذابون) الحديث، ولا يجمع ما كان على فعال جمع التكسير عند الجماهير من النحويين لئلا يذهب بناء المبالغة منه، فلا يقال إلا دجالون، كما قال عليه الصلاة والسلام. وإن كان قد جاء مكسرا، وهو شاذ، أنشد سيبويه لابن مقبل:

إلا الإفــادة فاستولــت ركائبـــنا عنــد الجبابيــر بالبأســـاء والنعـم

وقال مالك بن أنس فى محمد بن إسحاق إنما هو دجال من الدجاجلة نحن أخرجناه من المدينة. قال عبد الله بن إدريس الأودى: وما عرفت أن دجالا يجمع على دجاجلة حتى سمعتهما من مالك ابن أنس.

وقوله: (قريب من ثلاثين) قد جاء عددهم معينا فى حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تكون فى أمتى دجالون كذابون سبعة وعشرون. منهم أربع نسوة، وأنا خاتم النبيين ولا نبى بعدى) خرجه أبو نعيم الحافظ وقال: هذا حديث غريب تفرد به معاوية بن هشام، ووجد فى كتابه بخط أبيه حدث به أحمد بن حنبل عن على بن المدينى.

وقال القاضى عياض: هذا الحديث قد ظهر فلو عد من تنبأ من زمن النبى صلى الله عليه وسلم إلى الآن ممن اشتهر بذلك وعرف، واتبعه جماعة على ضلالته لوجد هذا العدد فيهم ومن طالع كتاب الأخبار والتواريخ عرف صحة هذا.

وقوله: (حتى يقبض العلم) فقد قبض العمل به ولم يبق إلا رسمه على ما يأتى بيانه.

وقوله: وتكثر الزلازل، فقد ذكر أبو الفرج بن الجوزى أنه وقع منها بعراق العجم كثير، وقد شاهدنا بعضها بالأندلس وسيأتى.

وقوله: (ويتقارب الزمان) قيل: المعنى يتقارب أحوال أهله فى قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، كما هو اليوم لغلبة الفسق وظهور أهله.

وفى الحديث: (لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا). يعنى لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف لله عز وجل يلجأ إليهم عند الشدائد ويستسقى بآرائهم ويتبرك بدعائهم وآثارهم، وقيل: غير هذا حسب ما تقدم فى باب (لا يأتى زمان إلا والذى بعده شر منه).

وقوله: (حتى يكثر فيكم المال فيفيض وحتى يهم رب المال من يقبل صدقته) وهذا مما يقع بل يكون على ما يأتى، ورب مفعول يهم ومن يقبل فاعل يهم. ويقال: أهمنى ذلك الأمر أحزننى وأقلقنى، وهمه يهمه إذا بالغ فى ذلك وقوله: حتى يتطاول الناس فى البنيان، هذا مشاهد فى الوجود مشاهدته تغنى عن الكلام فيه.

وقوله: (حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتنى مكانه). وذلك لما يرى من عظيم البلاء، وربح الأعداء وغبن الأولياء، ورئاسة الجهلاء، وخمول العلماء، واستيلاء الباطل فى الأحكام، وعموم الظلم، والجهر بالمعاصى، واستيلاء الحكام على أموال الخلق، والتحكم فى الأبدان والأموال والأعراض بغير حق، كما فى هذا الزمان، وقد تقدم أول الكتاب حديث أبى عيسى الغفارى، عن النبى صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال ستا) الحديث.

وروى الأعمش سليمان بن مهران، عن عمرو بن مرة، عن أبى نضرة، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر رضى الله عنه: يوشك أن يأتى على الناس زمان يغبط فيه خفيف الحاذ كما يغبط اليوم أبو عشرة، ويغبط الرجل باختفائه عن السلطان وجفائه عنه كما يغبط اليوم بمعرفته إياه وكرامته عليه. وحتى تمر الجنازة فى السوق على الجماعة فينظر إليها الرجل تهتز رأسه، فيقول: يا ليتنى مكان هذا، قال: قلت يا أبا ذر: وإن ذلك من أمر عظيم؟ قال: أجل يا ابن أخى عظيم عظيم.

قلت: هذا هو ذلك الزمان الذى قد استولى فيه الباطل على الحق، وتغلب فيه العبيد على الأحرار من الخلق، فباعوا الأحكام، ورضى بذلك منهم الحكام، فصار الحكم مكسا والحق عكسا لا يوصل إليه ولا يقدر عليه. بدلوا دين الله وغيروا حكم الله سماعون للكذب أكالون للسحت {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] و{الظالمون} [المائدة: 45] {الفاسقون} [المائدة: 47] فى الكفار خاصة كلها، وقيل عامة. فيمن بدل حكم الله وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: (فمن).

ولقد أحسن ابن المبارك حيث يقول فى أبيات له:

وهـل أفســد الديــن إلا الملـــوك وأحبــــار ســــــوء ورهبانهــــا

وقوله: (حتى تطلع الشمس من مغربها) إلى آخره يأتى القول فيه إن شاء الله تعالى واللقحة: الناقة الغزيرة اللبن، ويليط يصلح. ويقال: لاط حوضه يليطه ويلوطه ليطا ولوطا إذا لطخه بالطين وأصلحه، والأكلة بضم الهمزة اللقمة فإذا كانت بمعنى المرة الواحدة فهى بالفتح لأنها مصدر، وهى المرة الواحدة من الأكل كالضربة من الضرب، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعالجه من أمر الساعة ما يمنع من تمام فعله، واقترب من ذلك رفع الأكلة وهى اللقمة إلى فيه وتقوم الساعة بدون بلوغها إليه وكذلك القول فى المتبايعين من نشر الثوب وطيه، فاعلمه.

أبو نعيم الحافظ عن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيكون فى آخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة) هذا حديث غريب من حديث ثابت لم نكتبه إلا من حديث يوسف بن عطية عن ثابت وهو أقضى بصرى فى حديثه نكارة.

قلت: صحيح المعنى لما ظهر فى الوجود من ذلك. وقال مكحول: (يأتى على الناس زمان يكون عالمهم أنتن من جيفة الحمار).

وقد خرج الترمذى الحكيم فى نوادر اللأصول قال: حدثنا أبى رحمه الله قال: حدثنا حوشب بن عبد الكريم، حدثنا حماد بن زيد عن أبان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون فى آخر الزمان ديدان القراء فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهم الأنتنون، ثم تظهر قلانس البرد فلا يستحى يومئذ من الزنا والمتمسك يومئذ بدينه كالقابض على جمرة والمتمسك يومئذ بدينه أجره كأجر خمسين) قالوا: منا أو منهم؟ قال: (بل منكم).

وأخرج الدارمى أبو محمد قال: أخبرنا محمد بن المبارك: حدثنا صدقة بن خالد، عن ابن جابر، عن شيخ يكنى أبا عمرو، عن معاذ بن جبل قال: (سيبلى القرآن فى صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت يقرؤونه لا يجدون له شهوة ولا لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطهم خوف إن قصدوا قالوا: سنبلغ، وإن أساءوا قالوا: سيغفر لنا، إنا لا نشرك بالله شيئًا).

وقد تقدم فى باب {وقودها الناس والحجارة} [البقرة: 24] حديث العباس بن عبد المطلب وفيه: (يأتى أقوام يقرأون القرآن فإذا قرأوه قالوا: من أقرأ منا من أعلم منا)، ثم التفت إلى أصحابه فقال: (هل ترون فى أولئك من خير؟) قالوا: لا. قال: (أولئك منكم وأولئك من هذه وأولئك هم وقود النار).

مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب اليات دوس حول ذى الخلصة وكانت صنما تعبدها دوس فى الجاهلية).

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تذهب الليالى حتى يملك رجل يقال له الجهجاه) فى غير مسلم: رجل من الموالى يقال له جهجاه، فسقط من رواية الجلودى: من الموالى، وهو خطأ.

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه).

وخرج البخارى ومسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضىء أعناق الإبل ببصرى).

الترمذى عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستخرج نار من حضر موت قبل القيامة) قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: (عليكم بالشام) قال: حديث حسن غريب صحيح من حديث ابن عمر.

البخارى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب).

الترمذى عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذى نفسى بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم ويرث دنياكم شراركم) قال: هذا حديث غريب خرجه ابن ماجه أيضًا.

وذكر عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن أشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: جاء ذئب إلى راعى غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعى حتى انتزعها منه قال: فقعد الذئب على تل فأقعى واستقر وقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله أخذته ثم انتزعته منى، فقال الرجل: بالله إن رأيت كاليوم، ذئب تتكلم! فقال الذئب: أعجب من هذا رجل فى النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم. قال: فكان الرجل يهوديا، فجاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره وأسلم فصدقه النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال للنبى صلى الله عليه وسلم إنها أمارات بين يدى الساعة قد يوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعده.

ويروى هذا عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدق الراعى إلا أن من أشراط الساعة كلام السباع للإنس. والذى نفسى بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، حتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وتخبره فخذه بحديث أهله بعده).

الترمذى عن أبى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذى نفسى بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الأنس، وحتى يكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده) قال: هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل، والقاسم بن الفضل ثقة مأمون.

قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: حكم أبو عيسى بصحته ونظرنا سنده دون أن يقلده، فوجدنا له علة. قال أبو عيسى: حدثنا سفيان بن وكيع: حدثنا أبى، عن القاسم بن الفضل، قال: حدثنا أبو نضرة البعدى، عن أبى سعيد الخدرى فذكره.

قال ابن دحية: سفيان بن وكيع لم يخرج له البخارى ومسلم حرفا واحدًا فى صحيحهما، وذلك بسبب وراق كان له يدخل عليه الحديث الموضوع يقال له قرطمة. قال البخارى: يتكلمون فى سفيان لأشياء لقنوه إياه.

وقال أبو محمد بن عدى: كان سفيان إذا لقن يتلقن، فهذه علة الحديث التى جهلها أبو عيسى الترمذى.

مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، وحتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحدًا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا).

* * *

فصل حول ذى الخلصة والخصلة

ثبت حديث ذى الخلصة فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جرير بن عبد الله البجلى إلى هذا البيت، قال جرير: فنفرت إليها مائة وخمسين من أخمس فكسرناه قتلنا من وجدنا عنده.

قال أبو الخطاب بن دحية: وذو الخلصة بضم الخاء واللام فى قول أهل اللغة والسير وبفتحها قيدناه فى الصحيحين، وكذا قال ابن هشام وقيده الإمام أبو الوليد الكنانى الوقشى بفتح الخاء وسكون اللام، وكذا قال ابن دريد: واختلف فيه فقيل: هو بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة، ومن كان ببلادهم من العرب وقيل: هو صنم كان عمرو بن لحى نصبه بأسفل مكة حتى نصبت الأصنام فى مواضع شتى، وكانوا يلبسونه القلائد ويعلقون عليه بيض النعام ويذبحون عنده، وقيل: ذو الخلصة هى الكعبة اليمانية، فكان معناهم فى تسميتها بذلك، أن عبادة خالصة، والمعنى المراد بالحديث أنهم يرتدون ويرجعون إلى جاهليتهم فى عبادة الأوثان، فترسل نساء طائفات حوله فترتج أردافهن عند ذلك فى آخر الزمان، وذلك بعد موت جميع من فى قلبه مثقال حبة من إيمان وهو كما جاء فى حديث عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تذهب الليالى والأيام حتى تعبد اللات والعزى) الحديث وسيأتى بكماله.

وقوله: (يسوق الناس بعصاه). كناية عن استقامة الناس وانقيادهم إليه واتفاقهم عليه، ولم يرد نفس العصا، وإنما ضرب بها مثلاً لطاعتهم له، واستيلائه عليهم، إلا أن فى ذكرها دليلاً على خشونته عليهم وعسفه بهم وقد قيل: إنه يسوقهم بعصاه كما تساق الإبل والماشية، وذلك لشدة عنفه وعداوته، ولعل هذا الرجل القحطانى فى الرجل الذى يقال له الجهجاه، وأصل الجهجهة: الصيام بالسبع. يقال: جهجهت بالسبع، أى زجرته بالصياح، ويقال: جهجهه عنى. أى أنته. وهذه الصفة توافق ذكر العصا، والله أعلم.

وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية عائذ بن عمرو وكان ممن بايع تحت الشجرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شر الرعاة الحطمة) والرعاة فى اللغة جمع راع، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا مثلاً لوالى السوء، لأن الحطمة هو الذى يعنف بالإبل فى السوق والإيراد والإصدار، فيحطمها أى يكسرها ولا يكاد يسلم من فساده شىء، وسواق حطم كذلك يعنف فى سوقه.

وقوله: (حتى تخرج نار من أرض الحجاز)، فقد خرجت نار عظيمة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة، وذلك ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة إلى ضحى النهار يوم الجمعة، فسكنت وظهرت النار بقرطبة عند قاع التنعيم بطرف الحرة يحيط بها قرى فى صورة البلد العظيم كأعظم ما يكون البلدان. عليها سور يحيط بها عليه شرافات كشرافات الحصون وأبراج ومآذن، ويرى رجال يقودونها لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك نهر أحمر ونهر أزرق له دوى كدوى الرعد، يأخذ الصخور، والجبال بين يديه، وينتهى إلى البحرة محط الركب العراقى، فاجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم وانتهت النار إلى قرب المدينة، وكان يلى المدينة ببركة النبى صلى الله عليه وسلم نسيم بارد، ويشاهد من هذه النار غليان كغليان البحر، وانتهت إلى قرية من قرى اليمن فأحرقتها. قال لى بعض أصحابنا: ولقد رأيتها صاعدة فى الهواء من جحر مسيرة خمسة أيام من المدينة.

قلت: وسمعت أنها رئيت من مكة ومن جبال بصرى من بعد هذه النار أخرى أرضية بحرم المدينة أحرقت جميع الحرم حتى إنها أذابت الرصاص التى عليها العمد، فوقعت ولم يبق غير السور واقفًا، ونشأ بعد ذلك أخذ بغداد يتغلب التتر عليها، فقتل من كان فيها وسباه، وذلك عمود الإسلام وماؤه، فانتشر الخوف وعظم الكرب وعم الرعب وكثر الحزن، فانتشر التتر فى البلاد وبقى الناس حيارى سكارى بغير خليفة، ولا إمام ولا قضاء، فزادت وعظمت الفتنة، لولا تدارك الله سبحانه بالعفو والفضل والمنة.

أما قوله: (ستخرج نار من حضرموت أو من نحو حضرموت قبل القيامة) فعلها النار التى جاء ذكرها فى حديث حذيفة.

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتقصدنكم اليوم نار هى اليوم خامدة فى واد يقال له برهوت يغشى الناس فيها عذاب أليم تأكل الأنفس والأموال، وتدور الدنيا كلها فى ثمانية أيام، تطير طير الريح والسحاب، حرها بالليل أشد من حرها بالنهار، ولها بين الأرض والسماء كدوى الرعد القاصف. هى من رءوس الخلائق أدنى من العرش، قلت: يا رسول الله هى يومئذ على المؤمنين والمؤمنات؟ قال: وأين المؤمنون والمؤمنات يومئذ؟ هم شر من الحمر يتسافدون كما تتسافد البهائم، وليس فيهم رجل يقول: مه مه) كذا رواه أبو نعيم الحافظ فى باب مكحول أبى عبد الله إمام أهل الشام عن أبى سلمة عنه عن حذيفة.

وقوله: (عذبة سوطه) يريد السير المعلق فى طرف السوط. وفى هذا الحديث ما يرد على كفرة الأطباء والزنادقة الملحدين، وأن الكلام ليس مرتبطا بالهيبة والبله، وإنما البارى جلت قدرته يخلقه متى يشاء فى أى وقت شاء من جماد أو حيوان على ما قدره الخالق الرحمن، فقد كان الحجر والشجر يسلمان عليه صلى الله عليه وسلم تسليم من نطق وتكلم، ثبت ذلك فى غير ما حديث، وهو قول أهل أصول الدين فى القديم والحديث، وثبت باتفاق فى حديث البقرة والذئب، وإنهما تكلما على ما أخبر عنهما صلى الله عليه وسلم فى الصحيحين. قاله ابن دحية.

وقوله: حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا)، إخبار عن خروج عادتهم من إنتاج الكلأ ومواضع العشب بحفر الأنهار وغرس الأشجار وبناء الديار.

* * *