باب ملاحم الروم و تداعى الامم على اهل الاسلام

ابن ماجه، عن عوف بن مالك الأشجعى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون بينكم وبين بنى الأصفر هدنة، فيغدرون بكم فيسيرون إليكم فى ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألفا).

وعن ذى مخمر، وكان رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: (ستصالحكم الروم صلحا آمنًا، ثم تغزون أنتم وهم عدوًا فتنصرون وتغنمون وتقتسمون وتسلمون، ثم تنصرفون حتى تنزلوا بمرج ذى تلول فيرفع رجل من أهل الصليب صليبه، فيقول: غلب الصليب فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليه فيدفعه، فعند، ذلك تغدر الروم ويجمعون الملحمة، فيأتوم تحت ثمانين راية كل راية اثنا عشر ألفا).

وأخرجه أبو داود وزاد: (ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتتلون فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة).

وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل فى مسنده وإسناده صحيح ثابت، وذو مخمر بالميم لا غير، وهو ابن أخى النجاشى، قاله الأوزاعى، وقد عده أبو عمر فى موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن دحية.

وخرجا جميعًا عن ابن ماجه، وأبو داود، عن معاذ بن جبل عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (الملحمة الكبرى وفتح قسطنطينية وخروج الدجال فى سبعة أشهر)، وخرجه الترمذى، وقال: حديث حسن صحيح.

وعن عبد الله بن بشر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ويخرج الدجال فى السابعة)، خرجه ابن ماجه وأبو داود، وقال أبو داود: هذا صحيح من حديث عيسى.

قلت: يريد حديث معاذ المذكور قبله.

مسلم، عن بشر بن جابر، قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيرى، قال: ألا يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة، قال: فقعد وكان متكئا، فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا، ونحاها نحو الشام، فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام وتجمع لهم أهل الإسلام، قلت: الروم تعنى؟ قال: نعم، ويكون عند ذلك القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يمسوا، فيبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، وإذا كان يوم الرابع، نهد إليهم بقية الإسلام، فيجعل الله الدائرة عليهم، فيقتتلون مقتلة، إما قال: لم ير مثلها، وإما قال: لا يرى مثلها، حتى إن الطائر ليمر بجثمانهم، فما يخلفهم حتى يخر ميتًا، فيتعادى بنو الأب كانوا مائة، فلا يجدون بقى منهم إلا الرجل الواحد، فبأى غنيمة يفرح وبأى ميراث يقسم، فبينما هم كذلك، إذ سمعوا بناس هم أكثر من ذلك، فجاءهم الصريخ، فقال: إن الدجال قد خرج فى ذراريهم، فيرفضون ما بأيديهم ويقبلون، فيبعثون عشر فوارس طليعة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنى لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض، أو من خير فوارس يومئذ).

أبو داود، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال قائل من القوم: من قلة نحن يومئذ؟ قال: (بلى، أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة، وليقذفن فى قلوبكم الوهن)، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: (حب الدنيا وكراهة الموت).

* * *

فصل: قوله: (بنى الأصفر). يعنى الروم، وفى تسميتهم بذلك قولان:

أحدهما: أن جيشًا من الحبشة غلبوا على ناحيتهم فى بعض الدهر، فوطئوا نسائهم فولدن أولادًا صفرًا. قاله ابن الأنبارى.

الثانى: أنهم نسبوا إلى الأصفر بن الروم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام قاله ابن إسحاق، وهذا أشبه من القول الأول.

والهدنة: الصلح. والغاية: الراية، كما جاء مفسرًا فى الحديث بعده. سميت بذلك لأنها تشبه: السحابة لمسيرها فى الجو، والغاية والصابة: السحابة، وقد رواها بعض رواة البخارى تحت ثمانين غابة بباء مفردة النقطة، وهى الأجمة شبه اجتماع رماحهم وكثرتها بالأجمة التى هى الغابة، والصحيح الأول لأنها تظل الأجناد لكثرة راياتهم واتصال أوليتهم وعلاماتهم كالسحاب الذى يظل الإنسان.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن تحت كل غاية اثنى عشر ألفًا، فجملة العدو تسعمائة ألف وستون ألفًا) ذكره الحافظ أبو الخطاب بن دحية. وقد روى مرفوعًا فى حديث فيه طول عن حذيفة: أن الله تعالى يرسل ملك الروم وهو الخامس من الهرقل يقال له (ضمارة) وهو صاحب الملاحم، ويرغب إلى المهدى فى الصلح، وذلك لظهور المسلمين على المشركين فيصالحه إلى سبعة أعوام فيضع عليهم الجزية عن يد وهم صاغرون، فلا تبقى لرومى حرمه، ويكسرون لهم الصليب، ثم يرجع المسلمون إلى دمشق، فبينما الناس كذلك إذا برجل من الروم قد التفت فرأى أبناء الروم وبناتهم فى القيود والأغلال فتغيرت نفسه فيرفع الصليب ويرفع صوته فيقول: ألا من كان يعبد الصليب فلينصره، فيقوم رجل من المسلمين فيكسر الصليب ويقول: الله أغلب وأنصر، فحينئذ يغدرون وهم أولى بالغدر، فيجمعون عند ذلك ملوك الروم فى بلادهم خفية، فيأتون إلى بلاد المسلمين حيث لا يشعر بهم المسلمون، والمسلمون قد أخذوا منهم الأمن وهم على غفلة أنهم مقيمون على الصلح، فيأتون أنطاكية فى اثنى عشر ألف راية تحت كل راية اثنا عشر ألفًا، فلا يبقى بالجزيرة ولا بالشام ولا بأنطاكية نصرانى إلا ويرفع الصليب، فعند ذلك يبعث المهدى إلى أهل الشام والحجاز واليمن والكوفة والبصرة والعراق يعرفهم بخروج الروم وجمعهم، ويقول لهم: أعينونى على جهاد عدو الله وعدوكم، فيبعث إليه أهل المشرق أنه جاءنا عدو من خراسان على ساحل الفرات، وحل بنا ما شغلنا عنك، فيأتى إليه بعض أهل الكوفة والبصرة، ويخرج إليهم المهدى، ويخرج معهم المسلمون إلى لقائهم فيلتقى بهم المهدى ومن معه من المسلمين، فيأتون إلى دمشق فيدخلون فيها فتأتى الروم إلى دمشق فيكونون عليها أربعين يومًا، فيفسدون البلاد ويقتلون العباد ويهدمون الديار ويقطعون الأشجار، ثم إن الله تعالى ينزل صبره ونصره على المؤمنين فيخرجون إليه، فتشتد الحرب بينهم ويستشهد من المسلمين خلق كثير، فيا لها من وقعة ومقتلة ما أعظمها، وما أعظم هولها، ويرتد من العرب يومئذ أربع قبائل سليم ونهد وغسان وطيئ، يلحقون بالروم وينتصرون مما يعاينون من الهول العظيم والأمر الجسيم، ثم إن الله تعالى ينزل النصر والصبر والظفر على المسلمين، فيقتل من الروم مقتلة عظيمة حتى يخوض الخيل فى دمائهم وتشتعل الحرب بينهم، حتى إن الحديد يقطع بعضه بعضًا، وإن الرجل من المسلمين ليطعن العلج بالسفود فينفذه وعليه الدرع من الحديد، فيقتل المسلمون من المشركين خلقًا كثيرًا حتى تخوض الخيل فى الدماء، وينصر الله تعالى المسلمين ويغضب على الكافرين، وذلك رحمة من الله تعالى لهم، فعصابة من المسلمين يومئذ خير خلق الله والمخلصين من عباد الله ليس فيهم مارد ولا مارق ولا شارد ولا مرتاب ولا منافق، ثم إن المسلمين يدخلون إلى بلاد الروم ويكبرون على المدائن والحصون، فتقع أسوارها بقدرة الله، فيدخلون المدائن والحصون ويغنمون الأموال ويسبون النساء والأطفال، ويكون أيام المهدى أربعين سنة: عشر سنين فى المغرب، واثنتا عشرة بالكوفة، واثنتا عشرة بالمدينة، وستة بمكة، وتكون منيته فجأة بينما الناس كذلك إذ تكلم الناس بخروج الدجال اللعين، وسيأتى من أخبار المهدى ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى.

وقوله: (ليس له هجير). الهجير: الدأب والعادة. يقال: ما زال ذلك هجيراه وإهجيراه وإجيراه، أى أدبه وعادته، وهاجت: أى تحركت ريح حمراء، أى شديدة احمرت لها الشجر وانكشفت الأرض، فظهرت حمرتها، ولما رأى ذلك الرجل جاء مجىء الخائف من قرب الساعة والشرطة هنا بضم الشين أول طائفة من الجيش تقاتل. سموا بذلك لعلامة تميزوا بها، والأشراط العلامات، وتفنى الشرطة أى تقتل، وتفىء: ترجع. ومنه {حتى تفىء إلى أمر الله} [الحجرات: 9] ونهد: تقدم، ومنه سمى النهد نهدًا لتقدمه الصدر، والدايرة ويروى والدائرة والمعنى متقارب. قال الأزهرى: الدائرة الدولة تدور على الأعداء، والدائرة: النصر والظفر، يقال: لمن الدائرة، أى لمن الدولة، وعلى من الدائرة؟ أى الهزيمة. قاله أبو عبيد الهروى. والجنبات جمع جنبة وهى الجانب، ويروى بجثمانهم الهزيمة. قاله أبو عبيد الهروى.

والجنبات جمع جنبة وهى الجانب، ويروى بجثمانهم أى بأشخاصهم، وقوله: إذ سمعوا بنون وسين هم أكثر بالثاء المثلثة، ويروى بناس بباء واحدة أكبر بباء واحدة أيضًا، وهو الأمر الشديد وهو الصواب كرواية أبى داود وإذ سمعوا بأمر هو أكبر من ذلك، والصريخ: الصارخ أى المصوت عند الأمر الهائل، ويرفضون أى يرمون ويتركون، والطليعة الذى يتطلع الأمر ويستكشفه، وتداعى الأمم: اجتماعها ودعا بعضها بعضًا حتى تصير العرب بين الأمم كالقصعة والأكلة، وغثاء السيل ما يقذف به على جانب الوادى من الحشيش والنبات والقماش، كذلك الغثاء بالتشديد. والجمع: الغثاء. والله أعلم.

* * *