سؤال الرؤية

قال الله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين قال يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له فى الألواح من كل شىء موعظة وتفصيلا لكل شىء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وأن يرو سبيل الغى يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}. قال جماعة من السلف، منهم ابن عباس ومسروق ومجاهد: الثلاثون ليلة هى شهر ذى القعدة بكماله، وأتمت أربعين ليلة بعشر ذى الحجة، فعلى هذا يكون كلام الله له يوم عيد النحر، وفى مثله أكمل الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم دينه وأقام حجته وبراهينه.

والمقصود: أن موسى عليه السلام لما استكمل الميقات وكان فيه صائمًا، يقال: إنه لم يستطعم الطعام، فلما كمل الشهر أخذ لحا شجرة فمضغه ليطيب ريح فمه، فأمر الله أن يمسك عشرًا أخرى، فصارت أربعين ليلة. ولهذا ثبت فى الحديث: (أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك). فلما عزم على الذهاب استخلف على شعب بنى إسرائيل أخاه هارون المحبب المبجل الجليل، وهو ابن أمه وأبيه، ووزيره فى الدعوة إلى مصطفيه، فوصاه وأمره، وليس فى هذا لعلو منزلته فى نبوته منافاة، قال الله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا} أى فى الوقت الذى أمر بالمجىء فيه {وكلمه ربه} أى كمله الله من وراء حجاب إلا أنه أسمعه الخطاب فناداه وناجاه وقربه وأدناه، وهذا مقام رفيع ومعقل منيع ومنصب شريف ومنزل منيف، فصلوات الله عليه تترى وسلامه عليه فى الدنيا والأخرى، ولما أُعطى هذه المنزلة العلية، والمرتبة السنية، وسمع الخطاب سأل رفع الحجاب، فقال للعظيم الذى لا تدركه الأبصار القوى البرهان: {ربى أرنى أنظر إليك قال لن ترانى} ثم بين تعالى أنه لا يستطيع أن يثبت عند تجليه تبارك وتعالى، لأن الجبل الذى هو أقوى وأكبر ذاتًا وأشد ثباتًا من الإنسان لا يثبت عند التجلى من الرحمان، ولهذا قال: {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى}.

وفى الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال له: يا موسى، إنه لا يرانى حى إلا مات، ولا يابس إلا تدهده. وفى الصحيحين عن أبى موسى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حجابه النور - وفى رواية: النار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه). وقال ابن عباس فى قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار}: ذاك نوره الذى هو نوره إذا تجلى لشىء لا يقوم له شىء، ولهذا قال تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} قال مجاهد: {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى} فإنه أكبر منك وأشد خلقًا، {فلما تجلى ربه للجبل}، فنظر إلى الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبل فدك على أوله، ورأى موسى ما يصنع الجبل، فخر صعقا. وقد ذكرنا فى التفسير ما رواه الإمام أحمد والترمذى وصححه ابن جرير والحاكم من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، زاد ابن جرير وليث، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} قال: (هكذا، بإصبعه، ووضع النبى صلى الله عليه وسلم الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبل). لفظ ابن جرير. وقال السدى عن عكرمة وعن ابن عباس: ما تجلى، يعنى من العظمة، إلا قدر الخنصر، فجعل الجبل دكًا قال: ترابا {وخر موسى صعقا} أى مغشيا عليه، وقال قتادة: ميتًا، والصحيح الأول، لقوله: {فلما أفاق} فإن الإفاقة إنما تكون عن غشى، قال: {سبحانك} تنزيه وتعظيم وإجلال أن يراه بعظمته أحد {تبت إليك} أى فلست أسأل بعد هذا الرؤية {وأنا أول المؤمنين} أنه لا يراك حى إلا مات، ولا يابس إلا تدهده. وقد ثبت فى الصحيحين من طريق عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبى حسن المازنى الأنصارى، عن أبيه، عن أبى سعيد الخدرى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تخيرونى من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدرى أفاق قبلى؟ أو جُوزى بصعقة الطور؟) لفظ البخارى. وفى أوله: قصة اليهودى الذى لطم وجهه الأنصارى، حين قال: لا والذى اصطفى موسى على البشر، فقال رسول الله: (لا تخيرونى من بين الأنبياء). وفى الصحيحين من طريق الزهرى عن أبى سلمة وعبد الرحمن الأعرج، عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم بنحوه، وفيه: (لا تخيرونى على موسى)، وذكر تمامه. وهذا من باب الهضم والتواضع أو نهى عن التفضيل بين الأنبياء على وجه الغضب والعصبية، أو ليس هذا إليكم، بل الله هو الذى رفع بعضهم فوق بعض درجات، وليس ينال هذا بمجرد الرأى بل بالتوقيف. ومن قال: إن هذا قاله قبل أن يعلم أنه أفضل، ثم نسخ باطلاعه على أفضليته عليهم كلهم، ففى قوله نظر لأن هذا من رواية أبى سعيد وأبى هريرة، وما هاجر أبو هريرة إلا عام حنين متأخرًا، فيبعد أنه لم يعلم بهذا إلا بعد هذا، والله أعلم، ولا شك أنه صلوات الله وسلامه عليه، أفضل البشر بل الخليقة، قال الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وما كملوا إلا بشرف نبيهم، وثبت بالتواتر عنه صلوات الله وسلامه عليه، أنه قال: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر)، ثم ذكر اختصاصه بالمقام المحمود الذى يغبطه به الأولون والآخرون، الذى تحيد عنه الأنبياء والمرسلون، حتى أولو العزم الأكملون: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم. وقوله صلى الله عليه وسلم : (فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش، أى آخذا بها، فلا أدرى أفاق قبلى. جُوزى بصعقة الطور؟). دليل على أن هذا الصعق الذى يحصل للخلائق فى عرصات القيامة حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين عباده، فيصعقون من شدة الهيبة والعظمة والجلال، فيكون أولهم إفاقة محمد خاتم الأنبياء، ومصطفى رب الأرض والسماء على سائر الأنبياء، فيجد موسى باطشا بقائمة العرش، قال الصادق المصدوق: (لا أدرى أصعق فأفاق قبلى؟) أى كانت صعقته خفيفة، لأنه قد ناله بهذا السبب فى الدنيا صعق، (أو جوزى بصعقة الطور؟) يعنى فلم يصعق بالكلية، وهذا شرف كبير لموسى عليه السلام من هذه الحيثية، ولا يلزم تفضيله بها مطلقًا من كل وجه، ولهذا نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على شرفه وفضيلته بهذه الصفة، لأن المسلم لما ضرب وجه اليهودى حين قال: لا والذى اصطفى موسى على البشر، قد يحصل فى نفوس المشاهدين لذلك هضم بجناب موسى عليه السلام، فبين النبى صلى الله عليه وسلم فضيلته وشرفه، وقوله تعالى: {قال يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى} أى فى ذلك الزمان، لا ما قبله لأن إبراهيم الخليل أفضل منه، كما تقدم بيان ذلك فى قصة إبراهيم، ولا ما بعده لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل منهما، كما ظهر شرفه ليلة الإسراء على جميع المرسلين والأنبياء، وكما ثبت أنه قال: (سأقوم مقاما يرغب إلى الخلق حتى إبراهيم).

وقوله تعالى: {فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} أى فخذ ما أعطيتك من الرسالة والكلام، ولا تسأل زيادة عليه، وكن من الشاكرين على ذلك قال الله تعالى: {وكتبنا له فى الألواح من كل شىء موعظة وتفصيلاً لكل شىء} وكانت الألواح من جوهر نفيس ففى الصحيح: أن الله كتب له التوراة بيده، وفيها مواعظ عن الآثام وتفصيل لكل ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام {فخذها بقوة} أى بعزم ونية صادقة قوية {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} أى يضعوها على أحسن وجوهها وأجمل محاملها {سأريكم دار الفاسقين} أى سترون عاقبة الخارجين عن طاعتى المخالفين لأمرى المكذبين لرسلى {سأصرف عن آياتى} عن فهمها وتدبرها، وتعقل معناها الذى أريد منها، ودل عليه مقتضاها: {الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق وأن يروا كل آية لا يؤمنوا بها} أى ولو شاهدوا مهما شاهدوا من الخوارق والمعجزات لا ينقادون لاتباعها {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا} أى لا يسلكوه ولا يتبعوه {وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا} أى صرفناهم عن ذلك لتكذيبهم بآياتنا، وتغافلهم عنها وإعراضهم عن التصديق بها، والتفكر فى معناها، وترك العمل بمقتضاها {والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}.

 

قصة عبادتهم العجل فى غيبة موسى

قال الله تعالى: {واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين ولما سقط فى أيديهم ورأو أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتمونى من بعدى أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس اخيه يجره إليه قال يا ابن أم إن القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى فلا تشمت بى الأعداء ولا تجعلنى مع القوم الظالمين قال رب اغفر لى ولأخى وادخلنا فى رحمتك وأنت ارحم الراحمين إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة فى الحياة الدنيا وكذلك نجزى المفترين والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ولما سكت عن موسى الغضب اخذ الألواح وفى نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون}، وقال تعالى: {وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثرى وعجلت إليك رب لترضى قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامرى فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فاخلفتم موعدى قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامرى فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسى أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعونى وأطيعوا أمرى قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن أفعصيت أمرى قال يا بن أم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل ولم ترقب قولى قال فما خطبك يا سامرى قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لى نفسى قال فاذهب فإن لك فى الحياة أن لا تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى الهك الذى ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه فى اليم نسفًا إنما إلهكم الله الذى لا إله إلا هو وسع كل شىء علما}.

يذكر تعالى ما كان من أمر بنى إسرائيل حين ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه، فمكث على الطور يناجيه ربه، ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء كثيرة، وهو تعالى يجيبه عنها، فعمد رجل منهم يقال له: هارون السامرى، فأخذ ما كان استعاره من الحلى فصاغ منه عجلاً، وألقى فيه قبضة من التراب كان أخذها من أثر فرس جبريل حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه، فلما ألقاها فيه خاركما بخور العجل الحقيقى، ويقال: إنه استحال {عجلاً جسدًا} أى لحمًا ودمًا حيًا يخور، قاله قتادة وغيره. وقيل: بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كما تخور البقرة، فيرقصون حوله ويفرحون {فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسى} أى فنسى موسى ربه عندنا وذهب يتطلبه، وهو هاهنا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وتقدست أسماؤه وصفاته وتضاعفت آلاؤه وعداته، قال الله تعالى مبينا بطلان ما ذهبوا إليه وما عولوا عليه من إلهية هذا الذى قصاراه أن يكون حيوانًا بهيمًا أوشيطانًا رجيمًا: {أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا}، وقال: {ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين} فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم، ولا يرد جوابا، ولا يملك ضرا ولا نفعا، ولا يهدى إلى رشد، اتخذوه وهم ظالمون لأنفسهم عالمون فى أنفسهم بطلان ما هم عليه من الجهل والضلال {ولما سقط فى أيديهم} أى ندموا على ما صنعوا {ورأوا أنهم قد أضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين} ولما رجع موسى عليه السلام إليهم، ورأى ما هم عليه من عبادة العجل، ومعه الألواح المتضمنة التوراة ألقاها، فيقال: إنه كسرها، وهكذا هو عند أهل الكتاب وإن الله أبدله غيرها، وليس فى اللفظ القرآنى ما يدل على ذلك، إلا أنه ألقاها حين عاين ما عاين.

وعند أهل الكتاب: أنهما كانا لوحين، وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة، ولم يتأثر بمجرد الخبر من الله تعالى عن عبادة العجل، فأمره بمعاينة ذلك، ولهذا جاء فى الحديث الذى رواه الإمام أحمد وابن حبان عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ليس الخبر كالمعاينة)، ثم أقبل عليهم فعنفهم ووبخهم وهجنهم فى صنيعهم هذا القبيح، فاعتذروا إليه بما ليس بصحيح قالوا إنا {حملنا أوزارًا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامرى} تحرجوا من تملك حلى آل فرعون، وهم أهل حرب، وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم، ولم يتحرجوا بجهلهم، وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل الجسد الذى له خوار، مع الواحد الأحد الفرد الصمد القهار، ثم أقبل على أخيه هارون عليهما السلام، قائلا له: {يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن} أى هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتنى فأعلمتنى بما فعلوا؟ فقال: {إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل} أى تركتهم وجئتنى وأنت قد استخلفتنى فيهم {قال رب اغفر لى ولأخى وأدخلنا فى رحمتك وأنت أرحم الراحمين} وقد كان هارون عليه السلام نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهى وزجرهم عنه أتم الزجر.

قال الله تعالى: {ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به} أى إنما قدر الله أمر هذا العجل، وجعله يخور فتنة واختبارًا لكم {وإن ربكم الرحمن} أى لا هذا {فاتبعونى} أى فيما أقول لكم {وأطيعوا أمرى قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} يشهد الله لهارون عليه السلام {وكفى بالله شهيدا} أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك، فلم يطيعوه ولم يتبعوه، ثم أقبل موسى على السامرى {قال ما خطبك يا سامرى} أى ما حملك على ما صنعت {قال بصرت بما لم يبصروا به} أى رأيت جبرائيل وهو راكب فرسا {فقبضت قبضة من أثر الرسول} أى من أثر فرس جبريل، وقد ذكر بعضهم: أنه رآه وكلما وطئت بحوافرها على موضع أخضر وأعشب، فأخذ من أثر حافرها، فلما ألقاه فى هذا العجل المصنوع من الذهب كان من أمره ما كان ولهذا قال: {فنبذتها وكذلك سولت لى نفسى قال فاذهب فإن لك فى الحياة أن تقول لا مساس} وهذا دعاء عليه بأن لا يمس أحدًا معاقبة له على مسه ما لم يكن له مسه هذا معاقبة له فى الدنيا، ثم توعده فى الأخرى، فقال: {وإن لك موعدا لن تخلفه} وقرئ: (لن نخلفه) {وانظر إلى إلهك الذى ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه فى اليم نسفا} قال: فعمد موسى عليه السلام إلى هذا العجل فحرقه بالنار، كما قاله قتادة وغيره. وقيل: بالمبارد، كما قاله على وابن عباس وغيرهما. وهو نص أهل الكتاب، ثم ذراه فى البحر وأمر بنى إسرائيل فشربوا، فمن كان من عابديه علق على شفاههم من ذلك الرماد منه ما يدل عليه، وقيل: بل اصفرت ألوانهم، ثم قال تعالى إخبارًا عن موسى أنه قال لهم: {إنما إلهكم الله الذى لا إله إلا هو وسع كل شىء علما}.

وقال تعالى: {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة فى الحياة الدنيا وكذلك نجزى المفترين} وهكذا وقع وقد قال بعض السلف: {وكذلك نجزى المفترين} مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة، ثم أخبر تعالى عن حلمه ورحمته بخلقه وإحسانه على عبيده فى قبوله توبة من تاب إليه بتوبته عليه فقال: {والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} لكن لم يقبل الله توبة عابدى العجل، إلا بالقتل، كما قال تعالى: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلك خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم} فيقال: إنهم أصبحوا يومًا وقد أخذ من لم يعبد العجل فى أيديهم السيوف، وألقى الله عليهم ضبابًا حتى لا يعرف القريب قريبه، ولا النسيب نسيبه، ثم مالوا على عابديه، فقتلوهم وحصدوهم، فيقال: إنهم قتلوا فى صبيحة واحدة سبعين ألفًا، ثم قال تعالى: {ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفى نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون} استدل بعضهم بقوله: {وفى نسختها} على إنها تكسرت، وفى هذا الاستدلال نظر، وليس فى اللفظ ما يدل على أنها تكسرت، والله أعلم.

وقد ذكر ابن عباس فى حديث الفتون كما سيأتى أن عبادتهم العجل كانت على أثر خروجهم من البحر، وما هو ببعيد، لأنهم حين خرجوا {قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة}.

وهكذا عند أهل الكتاب فإن عبادتهم العجل كانت قبل مجيئهم بلاد بيت المقدس، وذلك أنهم لما أمروا بقتل من عبد العجل قتلوا فى أول يوم ثلاثة آلاف، ثم ذهب موسى يستغفر لهم فغفر لهم، بشرط أن يدخلوا الأرض المقدسة {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياى أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هى إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابى أصيب به من أشاء ورحمتى وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون}.

ذكر السدى وابن عباس وغيرهما: أن هؤلاء السبعين كانوا علماء بنى اسرائيل، ومعهم موسى وهارون ويوشع وناداب وأبيهو ذهبوا مع موسى عليه السلام، ليعتذروا عن بنى إسرائيل فى عبادة من عبد منهم العجل، وكانوا قد أمروا أن يتطيبوا ويتطهروا ويغتسلوا، فلما ذهبوا معه واقتربوا من الجبل وعليه الغمام وعمود النور ساطع وصعد موسى الجبل، فذكر بنو إسرائيل أنهم سمعوا كلام الله، وهذا قد وافقهم عليه طائفة من المفسرين وحملوا عليه، قوله تعالى: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} وليس هذا بلازم لقوله تعالى: {فأجره حتى يسمع كلام الله} أى مبلغًا وهكذا هؤلاء سمعوه مبلغًا عن موسى عليه السلام، وزعموا أيضًا أن السبعين رأوا الله، وهذا غلط منهم، لأنهم لما سألوا الرؤية أخذتهم الرجفة، كما قال تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون} وقال هاهنا: {فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياى} الآية.

قال محمد بن إسحاق: اختار موسى من بنى إسرائيل سبعين رجلاً، الخير فالخير، وقال: انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم، وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم، فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم، فطلب منه السبعون أن يسمعوا كلام الله، فقال: أفعل فلما دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا موسى، فدخل فى الغمام، وقال للقوم: ادنوا، وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهته نور ساطع، لا يستطيع أحد من بنى آدم أن ينظر إليه، فضرب دونه بالحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا فى الغمام وقعوا سجودًا فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل.

فلما فرغ الله من أمره وانكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم قالوا: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة}، فأخذتهم الرجفة، وهى الصاعقة، فالتقت أرواحهم فماتوا جميعًا فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول: {رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياى أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} أى لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء الذين عبدوا العجل منا، فإنا براء مما عملوا، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج: إنما أخذتهم الرجفة، لأنهم لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل، وقوله: {إن هى إلا فتنتك} أى اختبارك وابتلاؤك وامتحانك، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن أنس وغير واحد من علماء السلف والخلف، يعنى أنت الذى قدرت هذا وخلقت ما كان من أمر العجل، اختبارا تختبرهم به كما {قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به} أى اختبرتم، ولهذا قال: {تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء} أى من شئت أضللته باختبارك إياه، ومن شئت هديته، لك الحكم والمشيئة، ولا مانع ولا راد لما حكمت وقضيت {أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة إنا هدنا إليك} أى تبنا إليك ورجعنا وأنبنا، قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو العالية وإبراهيم التيمى والضحاك والسدى وقتادة وغير واحد وهو كذلك فى اللغة {قال عذابى أصيب به من أشاء ورحمتى وسعت كل شىء} أى أنا أعذب من شئت بما أشاء من الأمور التى أخلقها وأقدرها {ورحمتى وسعت كل شىء} كما ثبت فى الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض، كتب كتابًا فهو موضوع عنده فوق العرش، إن رحمتى تغلب غضبى). {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} أى فسأوحيها حتما لمن يتصف بهذه الصفات {الذين يتبعون الرسول النبى الأمى} الآية، وهذا فيه تنويه بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من الله لموسى عليه السلام فى جملة ما ناجاه به وأعلمه وأطلعه عليه، وقد تكلمنا على هذه الآية وما بعدها فى التفسير بما فيه كفاية ومقنع، ولله الحمد والمنة.

وقال قتادة: قال موسى: يا رب، إنى أجد فى الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، رب اجعلهم أمتى، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إنى أجد فى الألواح أمة هم الآخرون فى الخلق السابقون فى دخول الجنة، رب اجعلهم أمتى، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إنى أجد فى الألواح أمة أناجيلهم فى صدورهم يقرأونها، وكان من قبلهم يقرأون كتابهم نظرًا حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئًا، ولم يعرفوه وإن الله أعطاكم أيتها الأمة من الحفظ شيئًا لم يعطه أحدًا من الأمم، قال: رب اجعلهم أمتى، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إنى أجد فى الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، ويقاتلون فصول الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب، فاجعلهم أمتى، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إنى أجد فى الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها فى بطونهم، ويؤجرون عليها، وكان من قبلهم إذا تصدق بصدقة، فقبلت منه بعث الله عليها نارًا فأكلتها، وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير، وإن الله أخذ صدقاتكم من غنيكم لفقيركم، قال: رب فاجعلهم أمتى، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب فإنى أجد فى الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة، ثم لم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها، كتبت له عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال: رب اجعلهم أمتى، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إنى أجد فى الألواح أمة هم المشفعون المشفوع لهم، فاجعلهم أمتى، قال: تلك أمة أحمد. قال قتادة: فذكر لنا أن موسى عليه السلام نبذ الألواح، وقال: اللهم اجعلنى من أمة أحمد. وقد ذكر كثير من الناس ما كان من مناجاة موسى عليه السلام، وأوردوا أشياء كثيرة لا أصل لها، ونحن نذكر ما تيسر ذكره من الأحاديث والآثار بعون الله وتوفيقه وحسن هدايته ومعونته وتأييده.

 

قصة بقرة بنى إسرائيل

قال الله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون}، قال ابن عباس وعبيدة السلمانى وأبو العالية ومجاهد والسدى وغير واحد من السلف: كان رجل فى بنى إسرائيل كثير المال، وكان شيخا كبيرًا وله بنو أخ، وكانوا يتمنون موته ليرثوه، فعمد أحدهم فقتله فى الليل، وطرحه فى مجمع الطرق، ويقال: على باب رجل منهم، فلما أصبح الناس اختصموا فيه، وجاء ابن أخيه فجعل يصرخ ويتظلم، فقالوا: ما لكم تختصمون ولا تأتون نبى الله؟ فجاء ابن أخيه، فشكى أمر عمه إلى رسول الله موسى عليه السلام، فقال موسى عليه السلام: أنشد الله رجلا عنده علم من أمر هذا القتيل إلا أعلمنا به، فلم يكن عند أحد منهم علم منه، وسألوه أن يسأل فى هذه القضية ربه عز وجل، فسأل ربه عز وجل فى ذلك، فأمره الله أن يأمرهم بذبح بقرة فقال: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا} يعنون نحن نسألك عن أمر هذا القتيل وأنت تقول هذا؟ {قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} أى أعوذ بالله أن أقول عنه غير ما أوحى إلىّ، وهذا هو الذى أجابنى حين سألته عما سألتمونى عنه أن أسأله فيه. قال ابن عباس وعبيدة ومجاهد وعكرمة والسدى وأبو العالية وغير واحد: فلو أنهم عمدوا إلى أى بقرة فذبحوها لحصل المقصود منها، ولكنهم شددوا فشدد عليهم. وقد ورد فيه حديث مرفوع وفى إسناده ضعف، فسألوا عن صفتها ثم عن لونها ثم عن سنها؟ فأجيبوا بما عز وجوده عليهم. وقد ذكرنا فى تفسير ذلك كله فى التفسير.

والمقصود: أنهم أمروا بذبح بقرة (عوان)، وهى الوسط النصف بين، (الفارض) وهى الكبيرة، (والبكر) وهى الصغيرة، قاله ابن عباس ومجاهد وأبو العالية وعكرمة والحسن وقتادة وجماعة. ثم شددوا وضيقوا على أنفسهم، فسألوا عن لونها؟ فأمروا بـ{صفراء فاقع لونها} أى مشرب بحمرة {تسر الناظرين}، وهذا اللون عزيز، ثم شددوا أيضا {فقالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى إن البقر تشابه علينا وانا إن شاء الله لمهتدون} ففى الحديث المرفوع الذى رواه ابن أبى حاتم وابن مردويه: (لولا أن بنى إسرائيل استثنوا لما أعطوا) وفى صحته نظر، والله أعلم {قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لاشية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون} وهذه الصفات أضيق مما تقدم، حيث أمروا بذبح بقرة (ليست بالذلول)، وهى المذللة بالحراثة، وسقى الأرض بالسانية، مسلمة وهى الصحيحة التى لا عيب فيها، قاله أبو العالية وقتادة. وقوله: {لاشية فيها} أى ليس فيها لون يخالف لونها بل هى مسلمة من العيوب ومن مخالطة سائر الألوان غير لونها، فلما حددها بهذه الصفات وحصرها بهذه النعوت والأوصاف {قالوا الآن جئت بالحق} ويقال: إنهم لم يجدوا هذه البقرة بهذه الصفة إلا عند رجل منهم كان بارًا بأبيه، فطلبوها منه فأبى عليهم، فارغبوه فى ثمنها حتى أعطوه، فيما ذكر السدى، بوزنها ذهبًا، فأبى عليهم، حتى أعطوه بوزنها عشر مرات، فباعها منهم، فأمرهم نبى الله موسى بذبحها {فذبحوها وما كادوا يفعلون} أى وهم يترددون فى أمرها، ثم أمرهم عن الله أن يضربوا ذلك القتيل ببعضها، قيل: بلحم فخذها، وقيل: بالعظم الذى يلى الغضروف، وقيل: بالبضعة التى بين الكتفين، فلما ضربوه ببعضها أحياه الله تعالى فقام وهو يشخب أوداجه، فسأله نبى الله من قتلك؟ قال: قتلنى ابن أخى، ثم عاد ميتًا كما كان، قال الله تعالى: {كذلك يحى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون} أى كما شاهدتم إحياء هذا القتيل عن أمر الله له كذلك أمره فى سائر الموتى، إذا شاء إحياءهم أحياهم فى ساعة واحدة، كما قال: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} الآية.

* * *

 

التالى