بسم الله والحمد لله

 

اخوتى الطلبة والطالبات كل عام وأنتم بخير حال..

 

قد بلغنى أن امتحانكم فى مادة التشكيل وشيك وعلمت أنكم في بحث عن أمثلة وأفكار لتحقيق المطلوب في الامتحان، والأمر على أي حال بسيط للغاية فلا داعي للقلق. ومهما يكن من الأمر فهو امتحان فى موضوع تشكيل، الحكم فيه على التميز هو أمر نسبى، يقيم فيه الفهم من عدمه، هذا صحيح، ويظهر فيه الذى فهم ما تم شرحه فى المحاضرات من الذى يفهم، وهذا أيضا صحيح، وعليه قدر غير قليل من التقييم.. لكن فى النهاية الأمر فى الحكم على المسائل الفنية مرجعه نسبى.. يعنى هناك قدر من التقييم على الصواب والخطأ، لكن بالجملة، فان قضية (جميل وموفق فنيا) أو (غير جميل وغير موفق فنيا) هذه قضية نسبية، ليس فيها أحكام مطلقة، كما فى المسائل الرياضية، أن نقول أن واحد زائد واحد لا يمكن الا أن تساوى اثنين! لذا فليس هناك اجابة نموذجية لامتحانات الفن والتشكيل الفنى والتعبير الفنى.. ولا هناك درجة نهائية أو جواب يكون هو الأمثل الذى لا يصح غيره.. بمعنى أنه قد يقيم واحد من الأساتذة عملا من أعمالكم الفنية فيعطيه درجة B مثلا.. ويقيمه أستاذ آخر فيعطيه B- وأستاذ آخر يرى أنه يستحق B+.. لكن لا يمكن تجد أستاذا من الأساتذة يقول أنه يأخذ D مثلا! أو أنه يمكن أن يصل الى A+!! ذلك أن التقييم فى الأعمال الفنية، وكذلك فى المشروعات المعمارية، يكون بنظام التحكيم، وليس بنظام التصحيح. يعنى، يفرد الأستاذ المحكم – أو الأساتذة - أعمالكم أمامه فيخرج أولا الأعمال التى فشلت فى فهم المطلوب والغرض من التمرين.. وهذه تنزل تحت تقدير الجيد والمقبول، وتخرج من المنافسة.. ثم ينظر فى الأعمال المميزة والتى حققت المطلوب وفى نفس الوقت قدمت عملا (جميلا) أو (مميزا) .. وهذا، يزيد عن كونه قد فهم المطلوب – وهو حد الصواب والخطأ فى التقييم – أنه ابتكر شيئا ملفتا جميلا.. وهذا هو ما يدخل فيه بطبيعة الحال العامل النسبى فى التقييم.. يعنى ما يعجب فلانا قد لا يعجب فلانا، لكن من واقع الخبرة والمران البصرى على تقييم الأعمال الفنية، فان هناك أعمالا قد لا يختلف اثنان من أهل الاختصاص – الا فيما يندر – على أنها هى أميز الأعمال المقدمة، وأكثرها ابتكارا، وبالتالى تكون هى الأحق بالتقدير الأعلى.. فالحكم رغم دخول العامل النسبى فيه، الا أن العمل المقدم قد يكون على درجة من الجمال والتميز، مع النجاح فى تحقيق المطلوب من التمرين، يقل معها أن يختلف المحكمون فى تميزه على غيره من الأعمال المقدمة.. فهذا ينال أعلى تقدير..  وتتدرج التقديرات فى الأعمال المميزة بالمقارنة والمفاضلة..

أرجو أن يكون المقصود من هذا الكلام واضحا..

فالتصحيح فى تلك الامتحانات وكذا تحكيم المشروعات ليس على نموذج اجابة من وافقه حاز الدرجة النهائية ومن أخطأ فيه نقصت درجته.. الأعمال الفنية البصرية تقيم تحكيما لا تصحيحا. ففيها جوانب من الصواب والخطأ، من استوفاها فلن يقل غالبا عن تقدير جيد أو جيد مرتفع الى جيد جدا (C, C+, B-, B) على حسب ما وفاه وما لم يوفه منها، ومن لم يستوفها بالجملة فسينزل عن ذلك بطبيعة الحال، ومن وفق الى عمل مميز فيه حس فنى مميز (وهو ما يدخل فى التقييم النسبى الذى يختلف فى حدود معينة من محكم الى أخر) فهذا يرتقى الى التقديرات الأعلى. وهذا الجانب فى الفنون البصرية بالمناسبة أكثره يعتمد التميز فيه على الموهبة وبعضه يمكن تنميته بالمشاهدة والممارسة..

فيهمنى أن يظل هذا المعنى فى أذهانكم جميعا عندما ندخل مجال التصميم المعمارى وتقييم المشروعات فى الفصل الدراسى القادم باذن الله.. فلا يأتينا أحدكم ليشكو من تقديره ويقول أنه كان يستحق أكثر من ذلك، أو أنه قد ظلم! فجانب من التحكيم يقوم على فهمك وعلمك، وهذا لا تظلم فيه ان شاء الله، وجانب آخر يقوم على أساس رؤية المحكمين، فى مقارنة عملك من حيث درجة التميز بما قدمه زملاؤك من أعمال.. وهذا مرده توفيق الله وما قسمه لك، وهو الموفق على كل حال..  

فالأمر كله فى النهاية مداره حسن الفهم وبذل الوسع، ثم التوفيق فى النهاية لا يكون الا من الله.. أسأل الله أن يوفقكم جميعا.

 

والامتحان غالبا ما يكون المطلوب فيه هو تصميم عمل تشكيلى مجرد ثنائي الأبعاد من عناصر قص ولصق، بحيث يكون الناتج النهائى يبدو وكأنه ثلاثى الأبعاد. ولا أدرى لماذا يحيركم هذا مع أنكم قد تدربتم على مثله بالفعل. المطلوب أعمال تشكيلية من قص ولصق (يعنى مسطحات لونية ثنائية الأبعاد مختلفة الأشكال) تعطى انطباعات ثلاثية الأبعاد.. وأأكد على كلمة (تعطى انطباعات ثلاثية الأبعاد) فالأمر ليس مطلوبا فيه أن ترسموا تمثالا أو أجسام ثلاثية الأبعاد على الحقيقة، وانما مطلوب التجريد واعطاء التأثير ثلاثى الأبعاد.. فلا يصور أحدكم شكلا حقيقيا ويحاول أن يجرده مثلا.. فليس ذلك هو المطلوب.. وانما المطلوب انشاء تكوين تشكيلى composition مبتكر، يعطى فى ظاهره تأثير الكتل المجسمة.. فيمكن مثلا أن نتصور أن يتحول ذلك التكوين بسهولة الى تصميم لعلامة بصرية Landmark توضع فى ميدان عام مثلا. فيسهل على الناظر اليها أن يقرأ العناصر البصرية التى فيها على أنها أجسام منها القريب والبعيد، ومنها الغاطس والبارز وغير ذلك، وكل ذلك يتحقق تأثيرا لا تصويرا، يعنى باستخدام الفواتح والغوامق والفوارق فى الأحجام والأشكال والعلاقات اللونية، والتداخلات والتراكيب كما تعلمتم.. أما ما يقع فيه بعضكم من محاولة رسم أشكال كوجه انسان مثلا أو طائر أو سمكة أو حيوان أو نحو ذلك (صريحا كان أو مجردا)، فهذا ليس هو المطلوب وليس من التصميم التشكيلى التكوينى فى شىء، وليس تجريدا ولا يعطي الانطباع التأثيري. ثم ان تصوير ذوات الأرواح (البشر والحيوانات والطيور والأسماك) ممنوع شرعا كما سبق أن بينت لكم، فلا داعى للتعرض للوقوع فى اثم والأمر أصلا نحن فى حل منه ولا حاجة لنا فيه، وهو أبعد ما يكون عن الغرض الفني المطلوب.

 

ستدخلون اللجنة ان شاء الله ومعكم أوراق قص ولصق ومقصات وأدوات.. فان كان المطلوب تصميم عمل تكوينى لمسطحات لونية معبرة، تعطى مثلا تأثير الحركة، أو تأثير الاتزان، أو غير ذلك من التأثيرات البصرية التى درستموها، فان ذلك لن يكون أمرا صعبا ان شاء الله.. ستقصون أشكالا مسطحة بسيطة تصممون منها تكوينات وتراكيب تحقق الانطباعات المطلوبة.. وأظن أن الاخوة الزملاء قد تابعوكم فى ذلك وعلقوا على أعمالكم.. أسأل الله أن يكون قد نفعكم بكلامهم..

واضرب لكم فيما يلى بعض الأمثلة

 

 

 

هذا التكوين الى اليمين، هل فيه مجسمات حقيقية؟ بمعنى هل فيه أشكال مجسمة تبدو للعين كما تبدو الأجسام ثلاثية الأبعاد على الحقيقة؟ كلا

ومع ذلك ففيه أشكال تبدو كأنها كروية.. وفيه شكل يبدو كأنه غائر

(محفور).. أليس كذلك؟ هذه تأثيرات ثلاثية الأبعاد

الشكل السفلى يبين لنا الفرق بين كرة حقيقية، وبين تكوين ثنائى الأبعاد يبدو وكأنه كرة.

 

 

وانظروا الى هذه التكوينات الفنية الى اليسار.. كلها تعطى تعبيرات ثلاثية الأبعاد مع أنها فى الأصل كلها عبارة عن أشكال أحادية اللون (مسطحات لونية ذات ألوان متصلة).. ومع ذلك فقد صممت بطريقة تعطى انطباعات ثلاثية الأبعاد.. فالأول على اليمين من أعلى، يبدو كأنه تكوين من كتل مكعبة.. والذى تحته على اليمين، يبدو وكأن هناك طريق فى منظور أرضيته مبلطة تتداخل معه طريق أخرى مائلة.. مثلا.. وهكذا

فالحاصل أن المصمم لم يأت بأشكال حقيقية، ولا رسم تكوينا واقعيا من كتل مجسمة كما تراها العين فى الحقيقية، وانما كانت تكويناته مجردة تأثيرية..

 

 

ومجرد رسم مربع صغير وأخر الى جواره أصغر منه وثالث أصغر منهما، فى علاقة بصرية مترابطة، يمكن أن يعطى تعبيرا عن أجسام قريبة وأخرى بعيدة، من غير أن يكون هناك افتعال أو محاكاة للصورة الحقيقية الواقعية لمكعبات على تلك الوضعية..

 

على أى حال قد تم شرح ذلك باستفاضة فى المحاضرات، وتدربتم على مثله كثيرا.. والمطلوب فى الامتحان أيا كان، لن يخرج عن حدود ما تعلمتوه وطبقتموه بأيديكم.. 

 

لا داعى للقلق أو التوتر والأمر هين للغاية ان شاء الله..

 

أخوكم، حسام مسعود

 

 

 

ملحوظة

 

هذا الرابط قد يكون فيه مزيد فائدة ان شاء الله، ومنه يمكنكم استخراج بعض الكلمات المفتاحية لمزيد من البحث على شبكة الانترنت لمن أراد.. وأوصيكم بارتياد المكتبات ومطالعة المراجع.. عودوا أنفسكم على ذلك، فأكثر ما فى مجالنا هذا من تعلم لن تجدوه فى المحاضرات وانما فى خبراتكم المكتسبة، وقراءاتكم ومطالعاتكم الخاصة..

 

http://www.artinarch.com/principles_of_compo.html