"النهار"

الاحد 2 آذار 2003

الحـــرب والــخـــلاص ومــفـــهــــوم الانـــســـان

لا "حـرب عادلـة" في المســيحية

بقلم الدكتور الاب يوسف مونس

 

عالمنا المعاصر، رغم ظاهر العولمة المحيط به، ما زال يغرق بالخاصية والتمايز والتنوّع والفرادة. ونظراً لاتساع شبكات الاتصال، صار "قرية صغيرة" نعيش في أحيائها، تراثها وتقاليدها وقيمها وشخصيتها المميزة، كأهل كل قرية نعرفها عندنا او في العالم.

لذلك هناك شخصية للقيم ملاصقة لمجتمعها ولتراثها، فلا يمكـنـنـا وضـع أي مجتمع فـي تــنوّعـه تحـت منظومة واحدة.

لا يوجد وخصوصاً اليوم نظام قيم واحد. المثال على ذلك ان هناك أميركيين يدافعون عن العرب والاسلام والفلسطينيين، فيما يتهمهم آخرون ويشوّهون صورتهم. فالتعميم يصعب القبول به.

إن نظريات المواجهة والمقاتلة تضعنا في صفوف العداوة والنزال في حين ان ثمة امكانيات كثيرة للحوار والتبادل والتعاضد والاغتناء بالتنوع.

نحن في زمن حوار الحضارات والثقافات. وبيروت ولبنان اليوم في صدد استقبال هذا الكمّ والنوع من المؤتمرات الحوارية واللقاءات الروحية والانسانية، وأهل لبنان أُعطيت لهم هذه الرسالة الرائعة التي تكلّم عنها "الارشاد الرسولي" ان يكونوا أهل "المعيّة" والعيش معاً وسوية والمشاركة الروحية والانسانية والثقافية والاقتصادية والسياسية والفنية، أي أن يكونوا وطن الرسالة. إنهم "اهل الصيرورة معاً" لمستقبل يخرج من أطر التصادم والتضارب ورفض الآخر وحقه بالافتراق، الى مدارات الحوار والقبول بالآخر، آخراً متمايزاً يغنينا باختباره ونغنيه بتجربتنا، لنعيش سوية تجليات انسانية جديدة، للأيام الآتية. اذ ان كل تدمير للآخر هو اولاً تدمير للذات. فلا أنا دون أنت، ولا أنت دون أنا. نحن سـوية ننــظر ونسـير الى المستقبل، فنتأنسن ولا نصنع جحيم بعضنا البعض، كما يعلن سارتر "أن الآخرين هم الجحيم".

هناك اشكاليات امامنا يطرحها الدين ومعنى الانسان، وقضية القيم الاخلاقية، وقضايا الحرب والسلم. موقف الكنيسة هو انها تقبل بحق الدفاع وليس بحق "الحرب العادلة". لا قبول عندنا لأي مفهوم لـ"حرب عادلة" الاّ بالاستناد الى حق الدفاع عن النفس والارض والكرامة: كرامة الوطن والشخص البشري وحريته وحقه بالحياة والوجود. (التعليم الكاثوليكي، الوصية الخامسة، صفحة ،643 لا تقتل)، لذلك نعلن مع الكنيسة انه: "لا يمكن إنكار ما للحكومات من حق مشروع في الدفاع بعد استنفاد جميع امكانيات الحل السلمي" (التعليم الكاثوليكي، عدد 2308); اذاً الحق هو حق الدفاع وليس حق الحرب العادلة والاّ برّرنا لنا ولسوانا، هذه الهمجيات والبربريات الجديدة المستندة على حقـوق سـمـاويـة يصـعـب علينا القبول بها، باسم الدين او العرق او الارض لنبرّر مفهوم الحروب العادلة، والتي هي ظلم وقـهـر كـمـا هـو الحال اليوم مع الفلسطينيين الذين يقلب حقهم بالدفاع الى ارهاب، ويصوّر حقهم بالحياة همجية وعصبية عمياء. وكما هي الحال اليوم مع العراق.

يضاف الى رفضي مفهوم الحرب العادلة، رفضي للقتل المعنوي للشعوب وللناس وتدمير شخصيتهم وثرواتهم الروحية والطبيعة وابتعادي عن الغضب والضغينة والثأر، وقبولي بالآخر حتى حبه، ولو كان عدواً (متى 26/52)، إن أي استغلال للشخص البشري في كرامته وحريته وحقه ونموّه الروحي والمادي، هو أبشع الحروب الانسانية غير المعلنة ولا يبرّرها أي عدل.

 

الانسان في الزمان والمكان

تنطلق المقاربة الانتروبولوجية من "النظرة الى الانسان كمحور موجود في الوجود"، ومن مفهوم الانسان كانسان، بارتباطه بالزمان والمكان والثقافة، قبل أي وجود واضح لأية رسالات او نبوءات، وليس من مفهوم الانسان كجوهر مطلق، يتخطّى الزمان والمكان والانتماء الثقافي او الاجتماعي وأنماط الجماعات وقيمها ورموزها وسلوكها.

الانسان بحسب علم الانتروبولوجيا واقع متجسد في الآن والاوان والمكان وليس مفهوماً ذهنياً بعيداً عن التاريخ والجغرافية والثقافة، أي الزمان والمكان والقيم والانماط السلوكية.

من هنا هذا الارتباط بمنظومة القيم من تاريخية الانسان والتحوّلات التي تواكب مصيره.

 

التجليات الإلهية في مسار الانسان

الانسان بالمفهوم الانتروبولوجي هو في الزمان والمكان والبيئة الثقافية والروحية والعائلية والجغرافية والاجتماعية وسواها. لذلك لا يمكن لنا أن ننفي من حبنا تاريخ البشرية التي خلقها الله ودعاها الى معرفته وحبه.

الانسان محور للعناية الإلهية، فلا يمكننا القول أن الله تجلى لنا وحدنا، وأرسل الينا وحدنا وحيده، بل بالاحرى هناك مسار حب إلهي عبر ملايين السنين من تاريخ البشرية، سقطت منه وعنه عبر دربه، التوشيات التي تداخلت فيه وتراكمت فوقه او علقت به، الى أن تجلّى الله اخيراً في نهاية الايام في وحدته وحبه. وحسب المفهوم المسيحي، تجلّى في صورة ابنه الوحيد ومن  خلال الابن في صورة كل انسان، دون النظر الى جنسه او عرقه او لونه او دينه او بيئته.

إن الرسالات سماوية اساساً في مسارها. فمنذ البدء، دعا الله اليه كل انسان ولو لم يستطع هذا الانسان اكتشاف هذه الذات الإلهية، التي وعبر مسار طويل، تجسّدت مرة في الانهار واخرى في الجبال والعواصف وعناصر الكون وكائناته، الى أن تجلّت اخيراً في رسالات الوحي الإلهي. وقد سميناها أحياناً حلولية واحياناً اخرى مادية او وثنية او عبادة أصنام او جاهلية، وهي في اعتقادي توق ديني متوهج الى الله، خبرات روحية غير مكتملة لم تصل بعد الى الحقيقة الكاملة. وعلينا أن ننظر اليها بإيجابية في بحثها وشوقها الى الله، وان لا نرجمها ونرفضها ونجهّلها ونحكم عليها.

لذلك علينا احترام المرحلة الوثنية، أي كل ما ظهر قبل تجلّي الوحي كلياً. إنها من أغنى تجليات البحث الروحي عن الذات الإلهية. إنها مرحلة اختلط فيها الوحي بالعناصر الاخرى. "فحقيقة الله لا تتلاشى ولا تنقص عندما نعبّر عنها بلغة بشرية" (إعلان الرب يسوع، عدد 6)، فالديانات الاخرى هي اختبار ديني لا يزال يبحث عن الحقيقة المطلقة ولم يتوصّل بعد الى الاتحاد بالإله الموحي (الاعلان نفسه، عدد 7)، نعمة الله تعمل فيهم بطريقة خفية (الاعلان نفسه، عدد 12)، "والله يدعوهم لمصير واحد، عاشوا تاريخياً قبل مجيء الكلمة المتجسّد أم بعد مجيئه في التاريخ" (الاعلان نفسه، عدد ،12 صفحة 23)، ونضيف "أما ما يفعله الروح بقلوب الناس وفي تاريخ الشعوب وفي الثقافات والديانات يُعتبر استعداداً إنجيلياً..." (الاعلان نفسه، عدد ،12 صفحة 24 و44); لكن الحضور الإلهي موجود وقد ابتدأ مساره التصاعدي وارتقاؤه حتى بلوغ الذروة في وحدة الله وتجسده بابنه آخذاً صورة الانسان خصوصاً ان مرحلة البحث عن الله تمتد على ملايين السنين وتتناول ملايين الناس. فلا يُعقل ان تكون هذه الشعوب خارج حب الله ورحمته وخلاصه، وهذا ما أعلنته الكنيسة اخيراً في رسالتها "إعلان الرب يسوع" حول وحدانية الخلاص وشموليته الفاتيكان .2000

"الكنيسة الكاثوليكية لا ترذل شيئاً مما هو حق ومقدس في هذه الديانات، بل تنظر بعين الاحترام والصراحة الى تلك القواعد والتعاليم التي غالباً ما تحمل شعاعاً من تلك الحقيقة التي تُنير كل الناس، بالرغم من أنها تختلف في كثير من النقاط عن تلك التي تتمسك بها هي نفسها وتعرضها" (إعلان الرب يسوع، عدد 7) عندما أعلنت أن الخلاص اعطي لجميع الناس، فقالت أن هناك خلاصاً خارج الكنيسة وعند بقية البشرية الساعية نحو وجه الله.

هذا الانسان هو المحور الاساسي لعناية الله والغاية الاساسية في الكون.

كل قصص الخلق البابلية والاكادية والاوغاريتية والصينية والهندية والمكسيكية والجبيلية تضع الانسان حسب مفهومها الخاص في الحضرة الإلهية. وللمسيحية نظرتها الخاصة الى الانسان كموضوع حب وعناية إلهية، مفتدى ومخلّص بالمسيح ابن لله صورة للمسيح، وقد لبسه بالعماد فهو أخ لكل انسان، مدعوّ لتحقيق ملكوت الله بالمحبة والمساواة والعدل والرحمة بين الناس.

وهنا يُطرح سؤال: فما الفرق اذاً بين الايمان المُوحى به والمعتقدات الاخرى؟

أعتقد أنه علينا الفصل والتمييز بين الايمان كفضيلة إلهية، وبين المعتقدات في الديانات الاخرى. فبينما الايمان هو قبول الحقيقة الموحاة بالنعمة، وهو يتيح لنا ولوج السر ويساعدنا على إدراكه إدراكاً عميقاً، نرى أن المعتقدات في الديانات الاخرى هي مجموعة خبرات وأفكار، "هي كنوز بشرية من الحكمة والتديّن عاشها الانسان وتأمّلها في بحثه عن الحقيقة كعلاقة بالالوهية والمطلق" (الايمان والعقل، عدد 30-32).

الايمان، فضيلة إلهية، وهو قبول الحقيقة الموحاة من الإله الواحد والمثلث الأقانيم والمتجسد بابن البشر يسوع المسيح ابن الله. أما الاختبار الديني فلا يزال يبحث عن الحقيقة المطلقة، ولو لم يتوصّل بعد الى الاتحاد بالإله الموحى به أباً وإبناً وروحاً قدساً، إلهاً واحداً غير منقسم بحسب المفهوم المسيحي.

لا شك ان التقاليد الدينية المختلفة تحتوي عناصر تديّن تأتي من الله وبعض الصلوات وبعض الطقوس في الديانات الاخرى تستطيع ان تلعب دور إعداد للانجيل (إعلان الرب يسوع، عدد 2) "لأن الله يريد خلاص الجميع وأن يصلوا الى معرفة الحق" (1 تيموتاوس 2/4).

الانسان كمحور اساسي هو

- انسان واحد

وهذا ما تعلنه وثيقة "فرح ورجاء"، الانسان هو الانسان الواحد والكل، النفس والجسم، القلب والوجدان، الفكر والارادة. واحد دون تقسيم او تجزئة موضوع فيه، بحسب نظرنا، زرعاً إلهياً. فبعده الإلهي جزء منه، كبعده العاطفي او الطبيعي. لقد راح منذ البداية يكتشف رويداً رويداً وبمزيد من الوضوح سرّه وسر خالقه وحضوره في الكون.

هذا الانسان المحور، هو المخلوق على صورة الله قادر أن يعرف الله ويحبه، وقد اخرجه الله من وحدته ودعاه الى الحب فلم يخلقه وحيداً "فمنذ البدء ذكراً وأنثى خلقهما" (سفر التكوين 1/27).

- مجروح بالخطيئة، مدعو للخلاص

هذا الانسان الواحد، وإن من نفس وجسد، هو كائن جرحته الخطيئة وهو كائن حر مسؤول يعيش لغز وضعه البشريّ، يقض مضجعه سر الألم وانحطاط الجسد تدريجياً ولكن بالاكثر، سرّ الفناء النهائي او الموت.

لذلك لا تفهم المسيحية "سر الانسان الاّ من خلال سر الكلمة المتجسّد" يسوع المسيح المائت والقائم" (فرح ورجاء، عدد 22)، المخلّص والفادي ضابط الكل في حبه ورافع الكل اليه بموته وصلبه وقيامته.

- بالتجسّد يجدّد سرّ الحب

"المسيح أخذ الطبيعة البشرية دون أن يلاشيها (فرح ورجاء، عدد 22) فبتجسّده اتحد ابن الله نوعاً ما بكل انسان" (فرح ورجاء، عدد 22)، فاصبح كل وجه انساني أيقونة إلهية وخاصة الوجه الكربلائي المدمّى ووجه كل ضعيف ومسكين ومظلوم ومحروم ومقهور وسجين ويتيم ومنفيّ ومعذّب وشريد وغريب ومعاق. الانسان الجديد يطابق صورته مع صورة الحمل، الحمل البريء الذي بذل ذاته لأجلي (غلاطية 2/20) فيدخل في شريعة الحب (رومية 8/1-11)، أي أنه يبني حضارة المحبة هادماً هيكليات الظلم، "هنا يندرج الوحي الإلهي، يندرج في الزمان وفي التاريخ" (الايمان والعقل، عدد 1)، إن تجسّد ابن الله يتيح لنا أن نشهد الحصيلة النهائية التي لم يكن العقل البشري من منطلق ذاته يتصوّرها ولو بالخيال: وهو أن الابدي اقتحم الزمن، والكل احتجب وراء الجزء، والله اتخذ وجه انسان". (الايمان والعقل، عدد 12).

لذلك، بحسب المفهوم المسيحي، لا يستضيء مصير الانسان حقاً الاّ في ضوء الكلمة المتجسّد. ولكن يجب الاّ يغرب عن فكرنا ان الوحي يظل مطبوعاً بطابع السر (الايمان والعقل، عدد 13); "إن الله زرع في عمق قلب الانسان التوق والحنين الى الله" (الايمان والعقل، عدد 24).

فالادب والموسيقى والرسم والنقش والهندسة وسائر منتوجات عقله الخلاّق أصبحت شبه اقنية للتعبير عن طموحات بحثه. وقد اعتنقت الفلسفة خصوصاً هذا التوجه وعبّرت بوسائلها، وطبقاً لأنماطها العلمية عن هذا الشوق الذي يشمل كل الناس (الايمان والعقل، عدد 24). ألم يقل أريسطو في (الميتافيزيقيا 1،1): "إن كل الناس يحنّون الى المعرفة".

لكن هناك ايضاً عدا المذاهب الفلسفية "مجموعة من القناعات والخبرات الشخصية والتراثات العيلية والثقافية والمسيرات الوجودية يتكئ فيها الفرد على سلطة معلم" (الايمان والعقل، عدد 27)، او سلطة رسول او نبي او مسيح او داعية او مبشّر.

الوجود المهدّد بالخوف والقلق والمرض والموت والانكسار والعطب يدفع الانسان في قعر وجوده للبحث وطرح الاسئلة، آملاً للوصول الى جواب شاف لعطشه للحقيقة ولمعنى حياته ولمصيره وللقلق المتجذّر في قلبه ووجدانه، أكان ذلك في حقائق الحياة اليومية او البديهيات المباشرة او الاختبار او البحث العلمي عن شوق الانسان الى الحقيقة.

 

خاتمة

من هذا البعد اللاهوتي الانتروبولوجي، يمكننا القول إن منظومة القيم الضاربة في قعر الذات الإنسانية، والتي تطاول عمق الوجدان الانساني في جوهر وجوده هي الثابت الذي يجب ان نركّز عليه في ملاقاتنا للآخرين، وعلينا ان لا نخلط بين المتحوّل والثابت والعابر والدائم.

ومن منظور تطبيقي، علينا ان نعرف ان هناك مسيحيين بروتستانت، على تنوعهم، وهناك كاثوليك وهناك ارثوذكس وهناك يهود وهناك مسلمون وبوذيون وهندوس وهناك مذاهب اخرى وليسوا كلهم على رأي واحد. فلا نستعدي من يمكن ان يقبل بتفكيرنا اذا وصل اليه وتكلّمنا معه لغة يقبلها عقله وقلبه وضميره، انطلاقا من الكتب المقدسة التي يؤمن بها ومن القيم التي تربّى ونشأ عليها. وعلينا ان نستقطب هؤلاء الناس، ولا ننسى ان "المجلس الوطني لكنائس المسيح" الذي يضم ما لا يقل عن 50 مليونا منتسبا اليه، اصدر اعلانا رائعا يندّد بالمقولات التي هي ضد الاسلام والمسلمين، وان الكثير من المراكز الفكرية الكاثوليكية وخاصة الفاتيكانية تقف مع حقوق الفلسطينيين والمسلمين والحقوق العربية، ومع القدس عاصمة لجميع المؤمنين بالله. وهناك مواقف الفاتيكان والكاثوليك والارثوذكس وكنيسة لبنان ضد الحرب على العراق، ومقولة الحرب العادلة.

فما هي الصورة الحقيقية وما هي "الرسالات" التي نقدّمها نحن وخصوصا عبر كتاباتنا واقوالنا وافعالنا ووسائل الاعلام عندنا لهذه الجماعات كي تُزيد من تضامنها معنا وتقف مع حقوقنا وتنادي معنا بها؟

لا يمكن للولايات المتحدة ان تكون هي مصدر نظام قيم جديد، ولا يمكنها اعادة صياغة نظام الحياة الانسانية والاخلاقية والاجتماعية.

يبقى للقراءات اللاهوتية او الكتابية او الدينية رأيها وتفكيرها الخاص. وعلينا ان ندرك ان هناك العديد من الاميركيين ممن يقرأون الكتاب المقدّس في اميركا، ويهتدون بوحيه، لكن طريقة شرحنا العلمية وطريقة تقديمنا لنظرتنا الى قراءة الكتاب المقدّس ومدلولاته لا تصل اليهم، او هي بمعظمها مكتوبة باللغة الفرنسية او اللغة العربية، والاميركيون لا يقرأون هذه اللغة. من هنا اهمية دورنا لاتقان اللغات الاجنبية الى جانب اللغة العربية، لنقل مفهومنا مباشرة الى العقل الاميركي، كما فعل العديد من المثقفين اللبنانيين في السابق، ومن المثقفين العرب اليوم. من هنا اهمية الكنيسة في العالم العربي.

ما هي "الصورة" التي نقدّمها نحن عن انفسنا وعن مجتمعنا وعن تصرفاتنا، والتي لا يقبلها الذهن الغربي والاميركي خصوصا، ولا نحاول ان نجد لها تبريرا؟ علينا الخروج من مجالسنا القديمة خصوصا وان نتعامل مع العالم بذهنية جديدة وقراءات حديثة خاصة في "عالم الصورة" وعالم المعرفة وفي عالم الجيل الجديد الذي هو بعيد عنا ولا يقبل صورتنا وعقليتنا وخطابنا وارهابنا الفكري. وعلينا ان نقدم قيما فيها هذا البعد الصوفي والروحي المشرقي الذي يحتاج اليه العالم اليوم، وان نركّز على كرامة الشخص البشري وحقوق الانسان رجلا وامرأة وخاصة المرأة، فلا نرجّس جسدها ولا نلغي دورها ، (اعتذار للنساء، علي حرب، جريدة السفير 11/9/2002 مجتمع الحرام، ناظم السيد، الجمعة 4 تشرين الاول 2002)، وان نثقف ونربّي على الحرية المسؤولة، وليس على صور سلفية لا تجد لها تبريرا الا الجهل وظلامية العقل، فلا نجعل المتحوّل والمتغيّر ثابتا مقدّسا ولا نقدّس ما هو غير مقدّس، ولا ندنّس القيم التي لا نقاش فيها كحق الحياة والحرية والكرامة بحجة المقولات الالهية او السماوية الخاطئة.