جيش أسامة بن زيد

  قبيل وفاة رسول الله (ص) بثلاثة أيام جهز جيشاً لغزو الروم ، لأنه علم أن الروم يتربصون بالمسلمين في الشمال بعد أن عرفوا أن النبي قد مرض وأقترب أجله . وأرادوا بذلك انتهاز الفرصة للقضاء على الإسلام والمسلمين ، لكن الرسول (ص) أراد أن يفاجئ الروم حتى لا يغدروا بالمسلمين فجهز جيشاً بقيادة أسامة بن زيد بن حارثة وكان عمره آنذاك ثماني عشرة سنة ، وجعل ضمن ذلك الجيش أبا بكر وعمر وعثمان وباقي الصحابة واستثنى الإمام علي ليبقى معه في المدينة ( راجع تاريخ اليعقوبي ج2 ص77 والطبقات لأبن سعد ج4 ص66 وكذلك الملل والنحل للشهرستاني 1: 29 - هامش الفصل لابن حزم ج 1 ص 2 - الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 190- الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 2 ص 317 - الطرائف ج 2 ص 449- تلخيص الشافي ج 3 ص 32 - الشافي ج 4 ص 144 ). وكان النبي (ص) قد عقد لواء ذلك الجيش بيده الشريفة وهو معصوب الرأس من شدة المرض وأمرهم بالمسير على الفور . وبدلاً أن يذهب ذلك الجيش لمحاربة الروم ، عسكر على بعد عدة فراسخ من المدينة دون علم النبي (ص) وبقي هناك يترقب !!

 علم رسول الله أن الجيش لم يغادر لغزو الروم فبعث إليهم ليعرف السبب ، فبلغه أن هناك خلاف بين الصحابة !! منهم من يقول دعنا نسير ومنهم من يرفض ويريد أن يبقى بحجة إن النبي مريض وقد يموت !! غضب الرسول (ص) وأمرهم بالمغادرة فورا لمحاربة الروم ، لكن الجيش بقي في مكانه ولم يتحرك !! واتضح أن قائدهم أسامة بن زيد كان كلما يحثهم على المغادرة لغزو الروم نال منه كبار الصحابة وطعنوا فيه !! فبعث أسامة بن زيد إلى رسول الله (ص) واخبره بذلك . يروي أبن الأثير في تاريخه ج 2 ص 317 أن الرسول (ص) خرج معصوب الرأس يتهادى بين رجلين فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أبيه من قبله ، وأيم الله إنه كان خليقا بالإمارة وإن أبنه من بعده لخليق بها ( أنظر أيضا الطبري في تاريخه ج3 ص226 ). وذكر الشهرستاني إن الرسول (ص) يومئذ لعن من تخلف عن جيش أسامة ( الملل والنحل ج 1 ص 29 ). ومع ذلك أستمر الصحابة على موقفهم دون أن يتحركوا لمحاربة الروم كما أمرهم رسول الله (ص) حيث بقوا معسكرين خارج المدينة ينتظرون نبأ وفاة النبي (ص) !! ظل هذا الوضع قائما حتى أزداد الرسول هماً إلى همه فازداد مرضه وأنتقل إلى جوار ربه وفي قلبه غصة مما رأى من بعض كبار الصحابة . ولما بلغ خبر الوفاة لجيش أسامة ، تفرق بعض الصحابة عن الجيش دون إذن من قائده !!

  لم يكن ما حدث في رزية يوم الخميس سببا وحيدا في زيادة مرض الرسول (ص) ، بل ما حدث في جيش أسامة يعد سببا آخر في مآسي النبي (ص) . فقد وقع انقساماً آخر بين الصحابة في جيش أسامة بن زيد ، فمنهم من كان مطيعا لأمر النبي (ص) ومنهم من كان عاصيا . ويبدو أن عصيان بعض كبار الصحابة كان سيستمر ضد توجهات الرسول (ص) لو استمر حيا .

  لقد كان هناك إصرار وترصد من عمر بن الخطاب وحزبه لمنع أي إجراء يتخذه الرسول (ص) يهدف إلى تنصيب علياً خليفةً بعده . فقد علم عمر أن النبي يتخذ من جيش أسامة وسيلةً لإبعاده وحزبه عن المدينة لفترة من الزمن ! وعند العودة يكون الأمر قد انتهى بتنصيب الإمام علي خليفةً للمسلمين ، لذلك أحبط عمر تلك المحاولة وقام هو وحزبه بتحريض الآخرين بالتخلف عن جيش أسامة ، من خلال الطعن فيه متذرعين صغر سنه أيضا كما تذرعوا بنفس السبب لعلي قبالة كبار السن من الصحابة. فانقسم الصحابة كما انقسموا من قبل في رزية يوم الخميس ، قسم مع رأي عمر وآخر مع ما أمر به النبي (ص) .

 

الصفحة الرئيسية