أحداث في عهد الخلفاء الأربعة

أولا - عهد أبي بكر

  لم يكن أحداً من الصحابة في زمن الرسول (ص) يتوقع أن يكون أبو بكر يوماً خليفةً للمسلمين ، فقد كان أبو بكر لا يعدو كونه صحابي شأنه كشأن غيره من الصحابة ممن لم يكن لهم صولات وجولات أو بطولات في الأحداث الإسلامية زمن رسول الله (ص) . وقول عمر بن الخطاب : وإنا والله ما وجدنا فيمن حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر ( صحيح البخاري ج8 ص210 كتاب المحاربين ) هو خير دليل . فقد كان أبو بكر أفضل الثلاثة فقط الذين كانوا يتفاوضون مع الأنصار في سقيفة بني ساعدة . فقول عمر( فيمن حضرنا ) قد حدد أفضلية أبي بكر بمن كان حاضرا من المهاجرين ، ولو كان غير ذلك لما قال عمر ( فيمن حضرنا ) . فأبو بكر لم يكن أفضل القوم ، ولم تكن له فضائل قيادية أو حربية أو فقهية . ولم تذكر كتب التاريخ واقعة حربية تبين فضلاً لأبي بكر أو واقعة له فيها فضيلة في الإسلام ، بل أن التاريخ يذكر له سلبيات كثيرة يوم بدر وأحد وخيبر . فقد فشل كمستشار في بدر عندما أراد الرسول (ص) قتال المشركين وأخذ آراء الصحابة ، قال أبو بكر إن قريش لها سابقة في الحروب وحاول أن يثني الرسول عن قتالهم ، فأدرك الرسول (ص) الجبن في أبي بكر فأعرض عنه ، وكان رأي عمر بن الخطاب من رأي أبي بكر أيضاً إلا أن سعد بن عبادة الأنصاري رفع المعنويات حيث قال للرسول لا نقول لك كما قالت اليهود لموسى (ع) اذهب أنت وربك فقاتلا وإنما نقول لك لو شئت لنخوض البحر معك ( انظر مسند أحمد بن حنبل ج3 ص257 ) .

  كذلك فشل أبو بكر كمحارب في غزوة أحد ، فهو أول من ترك المعركة وذهب إلى بيته! وكان كلما يتذكر يوم أُحد يبكي أبو بكر ندما ( راجع كنز العمال ج5 ص274 ) . ومن الجدير ذكره أن البخاري يروي عن زيد بن ثابت أنه لما خرج النبي (ص) إلى أحد رجع ناس من أصحابه فقالت فرقة منهم نقتلهم وقالت فرقة لا نقتلهم نزلت الآية " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا " (88 النساء) .

  وكذلك فشل أبو بكر كقائد في خيبر عندما بعثه الرسول قائدا للسرية لفتح خيبر ، حيث رجع أبو بكر مهزوماً وجنوده يلقون عليه اللوم ( راجع مستدرك الصحيحين ج3 ص37 وكنز العمال ج6 ص394 ) . فأبو بكر لم يعدو صحابي بسيط الشأن والقدرة كشأن الصحابة الذين لم يكن لهم صولات وجولات في الأحداث زمن الرسول (ص) . لكن الوضاعون للأحاديث اختلقوا له الفضائل ليليق كخليفة للمسلمين !! علما بأن تلك الفضائل بالرغم من عدم صحتها إلا إنها لا تعطيه أحقية في خلافة المسلمين .

  وعلى الرغم أنهم زعموا أن له فضيلة في الآية " وثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها " ( 40 التوبة ) ، فإن هذه الآية الكريمة في واقع الأمر تحط من مكانة أبي بكر وليس فيها فضيلة له . كما أن العبارة ( ثاني اثنين ) لا يقصد بها أبي بكر وحده ، وإنما وصف لحاله تعرض لها رسول الله (ص) ، فالمقصود بثاني أثنين هو موقف ثنائي آخر أي ثاني ثنائي . فقد حدث موقفين متشابهين تعرض فيهما النبي (ص) لمحاولة القتل ، فكان أول أثنين الرسول (ص) وابن عمه الإمام علي ، وكان ذلك عندما اجتمعوا الكفار حول بيته قبل أن يخرج إلى الغار . في حين أن ثاني أثنين تعرض الرسول للقتل كان في الغار حيث تعرض الرسول (ص) لمحاولة القتل أيضا وهو مع صاحبه أبي بكر . ففي الموقف الأول كان الرسول (ص) مع الإمام علي في الدار فذلك كان أول اثنين . وفي الغار أيضاً  تعرض النبي لنفس الموقف ، فقال تعالى " ثاني اثنين " لتشابه الموقف وتكراره من قبل نفس الأشخاص الذين أرادوا قتله . فعبارة " ثاني اثنين " تفيد ثاني ثنائي وليس المقصود به أبي بكر كما زعم البعض . وأما زعمهم بأن لأبي بكر فضيلة في هذه الآية ففيه بطلان شديد ، وعلى عكس مما يدعون فإن الآية تحط من مكانة أبي بكر . فقد بيّن الله تعالى في الآية الكريمة أنه أنزل سكينته على رسوله (ص) فقط دون أبي بكر ولابد أن يكون ذلك لسبب أو عيب كان في أبي بكر . فالسكينة لم تكن مختصة بالأنبياء فقط ، وإنما أنزلها الله تعالى على المؤمنين أيضا ، وفي مواقع كثيرة " ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها " (26 التوبة) . فلماذا في الغار أنزل الله تعالى سكينته على رسوله (ص) فقط وترك أبا بكر ؟! أليس في ذلك انتقاصاً لأبي بكر ؟ أين التفضيل له وهو لم ينال السكينة في أحلك الظروف ؟! ولم يتساو حتى بالمؤمنين !!

  إن الكلمة الوحيدة في الآية التي تشير إلى أبي بكر مباشرة هي كلمة " صاحبه " وهذه الكلمة وردت في القرآن بما لا تثبت فضيلة كما لا يخفى " قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك " فقد جاءت كلمة صاحبه للكافر . " يا صاحبي السجن أرباب متفرقون " ، " يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا " فأية فضيلة لأبي بكر في الآية ؟!!

 

  يروي المؤرخون أن أبا بكر بعد أن أستلم الخلافة قال في خطبةٍ له على المنبر : أما والله ما أنا بخيركم . وقال : وأن لي شيطاناً يعتريني فإذا غضبت فاجتنبوني  ( انظر تاريخ ابن جرير ج2 ص440 ، طبقات ابن سعد ج3 ص129 ، كنز العمال ج3 ص136 ، مجمع الهيثمي ج5 ص183 ) . إن هذا التصريح لأبي بكر يقودنا لسؤال  هل يجوز لمن كان ينزل عليه الوحي أن يستخلفه شخص له شيطان يعتريه ؟‍!! والله تعالى يقول " ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قرينا " (38 النساء) . ويقول تعالى مخاطباً الشيطان " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم موعدهم أجمعين " (42،43 الحجر) ، فلو كان أبو بكر من عباد الله الصالحين لجنَّبه الله تعالى سلطان الشيطان كما تقول الآية الكريمة ، ولكن لم يحدث ذلك باعتراف أبي بكر أن له شيطان يعتريه . لماذا لم يستخلف القوم رجل كنفس رسول الله كالإمام علي الذي كان الرسول (ص) يقول عنه أنه كنفسي ؟ حيث تروي كتب التفسير أنه بعد أن نزول الآية " أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم " (61 آل عمران) ، أمر الله تعالى رسوله (ص) بأن يأخذ الحسن والحسين ( أبناءنا ) وفاطمة ( نساءنا ) والإمام علي والنبي ( أنفسنا ) ويذهبوا لمباهلة اليهود والنصارى ليدعوا الله أن يجعل اللعنة على الكافرين . فقد جعل الله الإمام علي كنفس رسول الله (ص) ، وكان الرسول (ص) فيما بعد كلما يريد أن يبعث الإمام علي في بعث كان يقول سأبعث رجلا كنفسي . فعندما أراد أن يبعث الإمام علي إلى بني ربيعة قال (ص) : " لينتهين بنو ربيعة أو لأبعثن إليهم رجل كنفسي " ( الرياض النضرة ص64 ) . فلماذا يكون أبوبكر الذي له شيطان يعتريه خليفة لمن كان ينزل عليه الوحي ، ولا يكون الإمام علي هو خليفة رسول الله (ص) وهو كنفس رسول الله ؟! 

 

العداء لأهل البيت

  إن  الصحابة الذين ذكرهم اليعقوبي وغيره والذين مالوا مع الإمام علي بن أبي طالب لم يكن من السهل على أبي بكر وعمر بن الخطاب وحزبه أن يأخذوا البيعة منهم . كيف يبايعوا وقد أمرهم الله تعالى بالولاية لعلي بن أبي طالب وأمرهم الرسول (ص) بذلك ؟ فهؤلاء الذين لم يبايعوا شهدوا رزية يوم الخميس وكانوا ضمن من وافق النبي (ص) أن يكتب الكتاب وأدركوا مآرب عمر وحزبه ، لكن عمر بن الخطاب الذي عيَّن نفسه وزيرا لأبي بكر ، بل الحاكم العسكري وصاحب القرار السياسي لم يكن ليترك هؤلاء قوى معارضة للسلطة الجديدة واستخدم كل وسيلة ترهيب لأخذ البيعة منهم لأبي بكر . فقد قام عمر بن الخطاب تحت ستار أمر السلطة بهتك كل قيّم ومفاهيم الدين . وضرب ما كان يوصي به النبي (ص) عرض الحائط من أجل أخذ البيعة لأبي بكر. فعندما كان الإمام علي بن أبي طالب مجتمعاً مع هؤلاء الصحابة في البيت لبحث موضوع الخلافة ، حاول عمر ومعه جند الحكومة الجديدة إحراق البيت بأهله من أجل قبول الأمر الواقع والبيعة لأبي بكر . فقد أراد عمر حرق ذلك البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، ذلك البيت الذي أمر الله المسلمين بالمودة لهم ، ذلك البيت الذي فيه نزل جبرائيل (ع) ، ذلك البيت الذي فيه رجل جعله الله ولي أمر المسلمين ، ذلك البيت الذي أمر الرسول (ص) الناس أن يتمسكوا بمن فيه .

  يروي الطبري في تاريخه ج3 ص198 والشهرستاني في الملل والنحل ج1ص75 واليعقوبي في تاريخه ج2 ص 105 أن عمر بن الخطاب حاول إحراق بيت فاطمة لإخراج علي ومن معه لمبايعة أبو بكر ، فأحضر الحطب إلى البيت ! ويروي المتقي الهندي في كنز العمال ج3 ص139  وابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج1 ص 19 إن أبا بكر بعث إليهم بعمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها ، فقيل له يا أبا حفص إن فيها فاطمة فقال وإن ثم خرجت فاطمة إلى الباب فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوء محضرٍ منكم ، تركتم رسول الله (ص) جنازةً بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لِمَ تستأمرونا ولِمَ تردوا علينا حقاً . ويقول أبن قتيبة في الإمامة والسياسة ج1 ص20 ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبتِ يا رسول الله .. ماذا لقينا بعدك من أبن الخطاب وأبن أبي قحافة .

  إن التاريخ يذكر أحداث مؤلمة وقعت بين الصحابة من أجل أخذ البيعة لأبي بكر ، وتفيد تلك الأحداث أن عمر بن الخطاب هو الذي كان صاحب القرار فيها ، وقد صنع قسم من تلك الأحداث ، حتى أن أبو بكر نفسه لم يكن يريد الأمور أن تصل إلى تلك المرحلة مما أراد ترك الخلافة مرات عديدة لولا عمر الذي كان يجبره عليها .

  لقد أستلم عمر بن الخطاب  زمام العداء لأهل البيت ولم يراعي رسول الله (ص) فيهم ، فقد نصب العداء لهم وقام بتحريض أبي بكر لمنعهم حقوقهم ومحاصرتهم اقتصاديا ، وقد استجاب أبو بكر لرأي عمر ومنع حقوقهم حتى ماتت فاطمة عليها السلام وهي غاضبة من أبي بكر وعمر لمنعها حقها في فدك ، تلك الأرض التي أهداها رسول الله (ص) حينما نزلت آية " وآت ذا القربى حقه " (26 الإسراء) حيث نادى النبي (ص) فاطمة عليها السلام وأعطاها فدك . إلا أن أبو بكر أخذ منها فدك بتحريض من عمر كنوع من الحصار الاقتصادي ليكونوا بحاجة لبيت المال بقيادة أبي بكر . يروي البخاري في كتاب الفرائض باب قول النبي " لا نورث " عن عائشة أن فاطمة عليها السلام والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله (ص) وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبر فقال لهما أبو بكر : سمعت رسول الله (ص) يقول لا نورث ما تركنا صدقة فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت .

  إن غضب فاطمة عليها السلام من أبي بكر وعمر ليس بسبب فدك بل بسبب ما لقيته وزوجها الإمام علي من أبي بكر وعمر ومحاولتهما إحراق بيتها بعد أخذ الخلافة . فأبو بكر وعمر مارسا العنف والإرهاب بكل أشكاله لقطع الطريق على خلافة الإمام علي بن أبي طالب ، وما منع ارض فدك عن فاطمة إلا نوعا من الحصار الاقتصادي على أهل البيت ليكونوا بحاجة إلى الدعم المادي لسلطة بيت المال بقيادة أبو بكر وعمر وبذلك تسهل البيعة لأبي بكر .

  لقد طبق أبو بكر وعمر خطة محكمة لتحقيق السيطرة على المعارضة ، واضطر أبو بكر لمخالفة القرآن الكريم ، إذ كيف سمع أبو بكر من رسول الله أنه قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث في حين أن الأنبياء كانوا يورثون ؟!! فهل يعقل أن يقول النبي (ص) " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " وقد قال تعالى " وورث سليمان داود" (27 النمل) ؟ وقوله " يرثني ويرث من آل يعقوب " (6 مريم) فكيف يمكن أن يقول النبي (ص) ما يتعارض مع القرآن ؟!!

  إن الحصار الاقتصادي  الذي طبقه أبو بكر وعمر على أهل البيت ، لم يتوقف على منعهم أرض فدك فقط ، بل شمل الخمس الذي كان الرسول (ص) يخصهم وبني عبد المطلب عند توزيع الغنائم . يروي أبو داود في صحيحه ج18 باب مواضع قسم الخمس عن جبير بن مطعم إلى أن قال وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله (ص) غير أنه ( أي أبو بكر ) لم يكن يعطي قربى رسول الله (ص) ما كان النبي يعطيهم .!! أليس هذا تغيير في سنة النبي ؟ أليس ما قام به أبو بكر وعمر عملا ضد الدين إذ قال تعالى " وأعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى وأبن السبيل إن كنتم آمنتم بالله " (41 الأنفال) . أليس من حق فاطمة أن تغضب عليهما ولا تكلمهما ؟

  يذكر ابن قتيبة في  الإمامة والسياسة تحت عنوان كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب إلى أن يذكر فقال عمر لأبي بكر انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلما عليها فلم ترد السلام فقالت أرأيتما إن حدثتكما حديثاً من رسول الله (ص) تعرفانه وتفعلان به قالا نعم فقالت أنشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله (ص) يقول رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني قالا نعم سمعناه من رسول الله (ص) قالت فإني أُشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولإن لقيت النبي (ص) لأشكونكما إليه فقال أبو بكر أنا عائذٌ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول والله لأدعوَّن الله عليك في كل صلاة أصليها . ثم خرج باكياً فاجتمع إليه الناس فقال لهم يبيت كل رجلٍ منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي .

 ويروي الحاكم في مستدرك الصحيحين كتاب معرفة الصحابة في ذكر وفاة فاطمة (ع) عن عائشة قالت : دُفنت فاطمة بنت رسول الله (ص) ليلاً ودفنها علي ولم يشعر بها أبو بكر حتى دُفنت وصلى عليها علي بن أبي طالب . وهذه الرواية ذكرها البخاري في كتاب بدء الخلق باب غزوة خيبر والكثير من الصحاح ، ومن الجدير ذكره أن قبر فاطمة (ع) غير معروف إلى يومنا هذا ليكون هذا القبر المجهول شاهداً على التاريخ الذي أمتلئ ظلما وضلالا منذ أن رحل النبي الكريم عنهم .

  إن عهد خلافة أبو بكر كان مليئاً بالأحداث والتجاوزات التي نهى عنها الله ورسوله (ص) ، ولما كان أبو بكر نادما على خلافته فقد تحول إلى حاكم صوري يراقب الأحداث فقط وكان لعمر بن الخطاب دور كبير في توجيه أبا بكر كيفما شاء . وقد استطاع عمر بن الخطاب بعد فترة زمنية من تنفيذ خطة لأخذ البيعة بالقوة والتهديد من الذين كانوا في صف علي بن أبي طالب حتى أصبح وحيدا في الساحة واضطر للمبايعة رغماً عنه بعد أن هددوه بضرب عنقه باسم الدين !!

  بعد أن أحكم أبو بكر وعمر السيطرة على الخلافة رأى بعض الصحابة أن الطريق إلى إشباع الذات بدا سهلاً ، فمن كان يريد الثروة أو الشهوات ما عليه إلا أن يتقرب من أبي بكر وعمر ليجعله والياً أو قائداً على الجيش الذي يرسله وسينال بعدها ما كان يصبو إليه من غنائم أو جواري ، فحدثت تجاوزات كثيرة نتيجةً لذلك . ولو بحث أي باحث في كتب التاريخ عن السلبيات والتجاوزات التي قام بها بعض الصحابة أثناء خلافة أبي بكر التي كانت لفترة قصيرة لوجد أنها تفوق بكثير ما حدث في خلافة عمر بن الخطاب والتي كانت لفترة طويلة .

  كان ضمن من تقرب إلى أبي بكر خالد بن الوليد وكان قائداً لكل جيش يُرسل من أجل الغنائم في عهد أبي بكر . يروي ابن حجر في الإصابة ج2 ص99 تحت سيرة خالد بن الوليد أن خالد إذا صار إليه المال قسمه في أهل الغنائم ولم يرفع إلى أبي بكر حساباً !! فقد كان خالد بن الوليد يتصرف من منطلق مكانته عند أبي بكر لا من منطلق الدين والمسؤولية . يروي ابن جرير في تاريخه ج2 ص502 عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر أن أبا بكر كان من عهده إلى جيوشه أن إذا غشيتم داراً من دور الناس فسمعتم فيه أذاناً للصلاة فامسكوا عنه أهلها حتى تسألوهم ما الذي نقموا وإن لم تسمعوا أذاناً فشنا الغارة فاقتلوا واحرقوا ، وكان ممن شهد لمالك بن نويرة بالإسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة وقد كان عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً أبداً بعدها ، وكان يحدّث أنهم لما غشوا القوم ( أي على قوم مالك بن نويرة ) راعوهم تحت الليل فأخذ القوم السلاح قال : فقلنا انا المسلمون فقالوا ونحن المسلمون قلنا فما بال السلاح معكم قلنا فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح قال فوضعوها ثم صلينا وصلوا ثم أقدمه يعني خالد مالكاً فضرب عنقه وأعناق أصحابه ثم نزا على امرأته  !!

  إن مثل هذا الفعل القبيح الذي ارتكبه خالد بن الوليد حيث قتل مسلم من أجل أن ينكح زوجته يستوجب أن يقام عليه الحد ويُضرب عنقه لو تم تطبيق الشرع ، لكن لكون أبي بكر ليس الإمام العالم بالشريعة والذي أمر الله طاعته فلم يقيم الحد على خالد ولم يفعل شيئاً له بل اكتفى بدفع الدية لأهل مالك بن نويرة من بيت المال !! والغريب أن خالد بن الوليد كان يكرر فعلته تلك في كل مرة ومكان ، ولم يكن أبو بكر يقيم عليه الحد بل يكتفي بتوبيخه !! يروي الطبري في تاريخه ج3 ص254 أنه عندما بعث أبو بكر خالد بن الوليد في حرب إلى اليمامة ارتكب معاصي كثيرة ولما أبلغ الصحابة أبا بكر عنه ، كتب أبو بكر إليه قائلاً : لعمري يا بن أم خالد إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجف بعد ‍‍!! هكذا كان يحكم خليفة المسلمين أبي بكر وكأنما نسي الحدود .

  إن أبا بكر لم يكن ليطبق الحد على خالد بن الوليد ومن هم المقربين إليه ، وقد كان لأبي بكر أخطاء كثيرة في فترة خلافته سيتحمل مسئوليتها يوم القيامة بلا شك . فأبو بكر الذي نطق صراحة في بداية الخلافة أنه لن يطبق سنة الرسول (ص) حيث قال : أفتظنون أني أعمل فيكم بسنة رسول الله ؟ إذن لا أقوم بها ( تاريخ الطبري ج3 ص210 ) ، وادعى أن الرسول (ص) كان ينزل عليه الوحي في حين أنه له شيطان يعتريه ، فقد رأى أبو بكر في ذلك العذر في كل تصرف مخالف للقرآن ولسنة رسول الله (ص) . ويبدو أنه كان كارها بالعمل بالسنة الشريفة بدليل إنه أحرق 500 حديث لرسول الله (ص) كان قد جمعها من الصحابة ( انظر كنز العمال ج1 ص237-239 )  .

  إن أبا بكر الذي عطّل الحدود قد خالف آيات القرآن الكريم أيضا . فقد نصب يزيد بن أبي سفيان أخو معاوية والياً على الشام في حين أن الله أمر بعدم جواز ولاية من لم يهاجر في سبيل الله " والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا " (72 الأنفال) . فأبو سفيان وأهله لم يكونوا من المهاجرين ، فقد كانوا رمز الكفر وأعداء الدين حتى أسلموا كرها عام الفتح بعد أن وقفت الهجرة وقال النبي لا هجرة بعد اليوم . لقد خالف أبو بكر القرآن ونصب يزيد ابن أبي سفيان والياً على الشام ثم عندما مات يزيد نصب عمر أخاه معاوية بن أبي سفيان إرضاءً لأبي سفيان لأنه كان سيد المشركين ! وكان عمر يشير على أبي بكر ترك ما بيد أبي سفيان من صدقات ليضمن ولاءه ( انظر شرح النهج لأبن أبي الحديد ج1 ص306 ) . فكان ذلك نفاقاً لكسب ود أبي سفيان وعشيرته بني أمية ، وكان لذلك الأثر الكبير في الفتنة الأموية التي أضعفت الإسلام بعد ذلك وسنتطرق لها لاحقاً . إن أبا سفيان الذي أسلم كرهاً كما روى البخاري عنه إذ قال : والله مازلتُ ذليلاً مستيقناً بأن أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره !!( البخاري كتاب الجهاد ص122 ) .

  لقد كان قلب أبو سفيان حتى بعد إسلامه ضد المسلمين ، حيث يروي الطبري  وابن الأثير عن ابن الزبير أنه أثناء الحرب لفتح الشام كان كلما يهجم الروم على المسلمين بضراوة ، يقول أبو سفيان : إيه بني الأصفر ، وهو واقف على تل بعيد عن موقع القتال !! ( تاريخ الطبري ج4 ص137 ، أسد الغابة لأبن الأثير ج5 ص149) . مع ذلك نصب أبو بكر أبنه يزيد بن أبي سفيان والياً على الشام بعد أن انهزم الروم !! وكان الكثير من الصحابة يبغضونه حيث يروي مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضل أبي سفيان عن ابن عباس أن المسلمين كانوا لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه . ويروي مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل صهيب وسلمان وبلال إن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا : والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها . فقال أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم . فأتى النبي فأخبره فقال النبي " يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ". وكأنما أراد النبي أن يقول بقولهم أي أن وجهة نظر النبي (ص) كان مطابقا لوجهة نظر سلمان وصهيب وبلال في عدم ميله لأبي سفيان لأنه لو كان كلامهم غير جائز لما قال النبي (ص) لأبي بكر لعلك أغضبتهم .

  والغريب إن بعض علماء السنة يستشهد بإيمان أبي سفيان من قول الرسول (ص) " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " ويجعلون ذلك فضيلة له !! مع إن قول الرسول (ص) المقصود به أن مكة كلها أصبحت آمنة للمسلمين حتى بيت أبي سفيان الذي كان قلعة الشرك ، ومركز اضطهاد وتعذيب المسلمين ( الاستخبارات بالمفهوم الحديث ) . فكون دار أبي سفيان كانت رمزاً لإرهاب المسلمين لذلك قال النبي (ص) " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " أي أن المسلم أصبح آمناً في مكة حتى لو دخل دار أبا سفيان ، وليس المقصود الشهادة لإيمان أبي سفيان أو جعل فضيلة له . هل يعقل أن يجعل النبي (ص) اليوم الذي أنتصر فيه على عدوه اللدود الذي كان يحارب الإسلام والمسلمين طوال ثلاث وعشرين سنة فيجعل ذلك اليوم فضيلة لعدو الله وعدوه ؟!!

  إن أبا بكر الذي قال صراحة أن له شيطانٌ يعتريه قد اقترف أخطاء تعتبر ذنوب كبيرة . فمن ناحية اغتصابه الخلافة وحقوق أهل البيت ، وأغضب فاطمة عليها السلام التي يغضب الرب ورسوله لغضبها ، وعدم إقامة حدود الله ، ومخالفة القرآن والسنّة ، لذلك كان يبكي قبيل وفاته وقال أبو بكر : والله لو وضعت قدماً في الجنة وقدماً خارجها ما أمنت مكر الله ، فكان يبكي ويتألم ويتمنى أنه لم يأخذ الخلافة . يروى عمر أنه دخل يوماً على أبي بكر وهو يجبِّذ لسانه ( أي يخرج لسانه ويرجعه بتكرار) فقال له عمر : مه غفر الله لك فقال أبو بكر : هذا أوردني الموارد ( انظر كتاب الجامع في ما يخاف من اللسان في موطأ مالك وكذلك السيوطي في الدر المنثور في تفسير " لا خير في كثير من نجواهم " وكذلك طبقات ابن سعد ج5 ص5 ومجمع الهيثمي ج10 ص302 ) . فأبو بكر أطاع الشيطان الذي اعتراه بما رغب ، وكان من الغاوين وليس ممن لا سلطان للشيطان عليه ، بل إن سلطان الشيطان كان قوياً عليه .

  مات أبو بكر بعد إحساس شديد بالندم لكنه قبل موته أستخلف عمر بن الخطاب بعده ليجعله يجرع من الكأس الذي سقاه منه عمر . ولما كتب وصيته بالخلافة لعمر غضب منه الكثير من الصحابة . وذهب إليه طلحة بن عبيد الله وقال له : ماذا تقول لربك وقد وليت علينا فظاً غليظاً تفرق منه النفوس !!( طبقات ابن سعد ج3 ص199 ) .

 

الصفحة الرئيسية