بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

 

"... مَنْ قَتَلَ نَفْسَاً بِغَيرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ في الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جميعاً..."

القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية 32

"ولا تَقْتُلوا النَّفس التي حرَّم اللَّه إلاَّ بالحقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيهِ سُلْطَانا

فَلا يُسْرِف في القَتْلِ إنَّهُ كَانَ مَنْصُورا"

القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية 33

 

بيان صادر عن عائلة بسيسو

بشأن الجريمة النكراء التي أودت بحياة ابنهم الشهيد

"عاهد زهير بسيسو"

 

بشعورٍ متزايدٍ بفجيعة تجاوزت حدَّ الفجيعة؛ حيث اختلطت فيها المعاناة الضارية مما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات صارخةٍ ضدَّ فلسطين: وطناً وإنساناً، بضراوة المرارات التي تنجم عن تفشي ظواهر مجتمعية مُشينة وانتهاكات جسيمة لحقوق المواطن، وذلك من قبيل الفساد الأخلاقي، والانفلات الأمني، وإساءة استخدام السلطة، وفوضى حمل السِّلاح واستخدامه في غير ما حُمل من أجله، لا تزال عائلة بسيسو تتابع قضية مقتل ابنها البار الشهيد عاهد زهير بسيسو على يد المجرم "عيَّاد أبو عمرة" الذي أقدم في مساء يوم الخميس الموافق الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2004، على قتله، وذلك بدمٍ باردٍ، ومن دون أي سبب، وعلى مرأى أُمه وأخوته وزوجته وأطفاله، مستخدماً لتنفيذ جريمته سلاحاً رسمياً يحمله بوصفه موظَّفاً في جهاز أمنٍ رسميٍّ من المفترض أنه جهازٌ مُكَلَّفٌ بحماية المجتمع والمحافظة على أمن الوطن والمواطن وإنفاذ القانون!

ولئن اختارت عائلة بسيسو اللُّجوء إلى القضاء كي يُصدر حكمه القانوني الشَّرعي القاطع في هذه الجريمة النَّكراء، فإنما كان ذلك لأنها أنهضت موقفها على قراءة واعيةٍ لدلالات هذه الجريمة ولآثارها المتنوِّعة؛ وعلى إدراك عميق لما انطوت عليه من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والقانون وفي مقدِّمتها الحقُّ في الحياة؛ وعلى منطلقاتٍ دينية وأخلاقية وثقافية وفكرية واجتماعية تلتزم الشريعة الإسلامية، وتعتنق مبادئ العدل والإنصاف، وتسعى للدفاع عن حرية الوطن والمواطن ولإقامة الوئام المدني وحمايته، وتُعلي من شأن منظومة الأخلاق السامية التي طوَّرتها العائلة عبر انتمائها العميق للإسلام ديناً، ولفلسطين وطناً وشعباً، وللإنسانية قيمةً عاليةً ومعياراً سامياً يُحدِّد مواقفها، ويحكم سلوك أفرادها.

وإذْ اختارت عائلة بسيسو هذا الموقف الناهض على هذه الرؤية، فإنها تتوجه إلى أبناء الشعب الفلسطيني وأسرهم وعائلاتهم جميعاً، وإلى المصلحين الاجتماعيين وقادة الرأي العام، وسلطات السلطة الوطنية الفلسطينية: التشريعية والقضائية والتنفيذية، وإلى وسائل الإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني بما فيها الأحزاب والقوى والفصائل السياسية، الوطنية والإسلامية، والهيئات الاجتماعية والثقافية والقانونية ومنظمات حقوق الإنسان، وكلِّ من يعنيهم الأمر، أنْ يُواصلوا العمل، كلٌّ في مجاله، متضافرين وباذلين كلَّ ما في وسعهم من أجل:

1          ضمان أنْ تُوقع على المجرم "عيَّاد أبو عمرة" أقصى عقوبة يُقرِّها القانونُ النافذ وفق الشريعة الإسلامية على جريمة القتل العمد التي اقترفها بحقِّ ابننا عاهد زهير بسيسو، وكذلك ضمان عدم التراخي في تنفيذ هذه العقوبة، أو تعطيل تنفيذها.

2          استئصال فكر الجريمة وثقافتها وجميع أشكال ممارستها في المجتمع الفلسطيني، والعمل على وقف تردِّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تُفضي إلى القتل والجرائم الأخرى، وخلق البيئة التي تُصان فيها إنسانية الإنسان، وتُحمى حياته، وتُكفل حقوقه، والتي يستحيل فيها اقتراف الجرائم التي تنطوي على انتهاكٍ القانون والحقوق؛ فمن المؤسف أن يصل عدد الجرائم الجسيمة التي اقترفت منذ بداية العام الحالي حتى الآن إلى ما يُقارب الأربعين، وربما لا تكون جريمة قتل المحاضر الجامعي الشاب "ياسر المدهون" هي آخر السلسة المفتوحة على تخريب المجتمع الفلسطيني وتدمير وحدة نسيجه الاجتماعي وفكِّ لحمته.

3          الإصرار على التعبير الحاسم عن الرفض والاستنكار الشديدين لجميع أشكال انتهاك حرية المواطن وحقوقه، والاستمرار في العمل على مقاومة ذلك كلِّه بجميع الوسائل القانونية والطرق المشروعة؛ فليس لمقاومة الاحتلال أن تكون ناجعةً في غياب صلابة الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي.

4          مُطالبة قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي مقدمتها رئيس السلطة ورئيس الوزراء ومجلس الأمن القومي، بالتأكُّد المستمر من عدم تجاوز أجهزة الأمن حدود المهمات التي يُفْتَرَضُُ أنَّها وُجدت من أجلها، ومن ضمان حُسن تأهيل أفراد هذه الأجهزة المعنيين بحماية الوطن والمواطن، وباحترام القانون ودقة إنفاذه، وذلك على نحو يستجيب لمواد القانون الفلسطيني النافذ ولمعايير الشرعة الدَّولية لحقوق الإنسان.

إنَّ عائلة بسيسو التي تنتظر، بأناةٍ مؤلمة وصبر كظيم وجرح لا يستكين، انعقاد المحاكمة التي ستباشر عملها في الثالث عشر من كانون الأول (ديسمبر) 2004، لتتطلَّع إلى صدور حكم قضائيٍّ يُوقع الجزاء العادل بمرتكب جريمة القتل العمد، ويُعزِّز الثقة بالسلطة القضائية الفلسطينية، ويُفْسِحُ المجالَ أمام مواصلة السَّعي، بالطرق القانونية المشروعة، نحو تطهير المجتمع الفلسطيني بأسره من الآفات الاجتماعية التي تسعى لإسقاطه في هاوية اليأس وانعدام الأمل والخوف من الغد، ونحو إقامة مجتمع حُرٍّ ومتحرِّر، وإنسانيٍّ، تكون فيه إهانة أي مواطن مبعث قلق لجميع المواطنين، وتنتفي فيه جرائم القتل وأشباهها.

وتودُّ عائلة بسيسو أنْ تتوجَّه بعميق الشُّكر، وخالص التقدير، للشخصيات الوطنية ورجالات الإصلاح، وللقوى السياسية الوطنية والإسلامية، ولمؤسسات المجتمع المدني وهيئاته، ولوسائل الإعلام، وللاتحادات الشعبية والنقابات المهنية، ولمؤسسات السلطة الوطنية وهيئاتها، بما فيها الأجهزة الأمنية، ولأبناء الشعب الفلسطيني، الذين وقفوا معها في محنتها، وساندوا موقفها، وتتطلع إلى مواصلة العمل معهم جميعاً، من أجل إقرار الحق وإنفاذه، وإقامة العدل وصيانته، وبناء المجتمع الفلسطيني الإنساني الحر، المتحرِّر من كلِّ قيد أو آفة.

 ولا يسع عائلة بسيسو وقد وضعت دم ابنها القتيل بين يدي السلطة القضائية، إلا أنْ تؤكَّد أنَّ هذا الدَّم سيبقى ديناً في أعناق أبنائها جميعاً إلى أنْ يُحَقَّ الحقُّ، ويُقامَ العَدْلُ، وذلك مع إدراكها أنَّ ذلك لن يُسكِّن تماماً جُرْحَها العميقَ، أو يُوقفَ نَزْفَه.

 غزة في السابع من كانون الأول (ديسمبر) 2004