! أمريكا و الإمبراطورية البوشانية

إن تغير لغة الخطاب الأمريكية فيما يتعلق بمسألة ضرب العراق قبل زيارة شينى للمنطقة عن تلك اللغة بعد عودته إلى بلاده - رغم إصرار الإعلام العربى على رفض جميع الرؤساء العرب لضرب العراق وحثهم الولايات المتحدة على إتباع سياسة أكثر موضوعية حيال قضية فلسطين - يؤكد العديد من الحقائق ويثير المزيد من التكهنات ويفرض حالة شديدة من الخصوصية و الخطورة فى تاريخ عموم المسلمين وخصوص العرب ! .

: أما عن الحقائق فهى

* أن الفكر الصهيونى الذى لعب الدور الرئيسى فى أحداث 11 سبتمبر مازال يلعب دور صانع الألعاب .
* أن توابع 11 سبتمبر هو مخطط شديد الإحكام و فكر مخابراتى إسترتيجى عام يهدف إلى قيام "الإمبراطورية البوشانية " - نسبة إلى الرئيس بوش الأب الذى بدأ المشوار ثم الإبن المطيع الذى يكمل هذا المشوار .
* أن السعى الأمريكى الأخير فى الشرق الأوسط كان أحد دوافعه مقايضة التهدئه فى فلسطين مقابل الإشعال فى العراق .
* أن محصلة المجموع الجبرى للرفض الرسمى العربى تساوى صفرا فى الميزان الأمريكى .
* أن يأس الشعوب العربية من حكامها يمثل السبب الرئيسى لحالة الصمت الحالية لهذه الشعوب وفى نفس الوقت الهدوء الذى يسبق العاصفة .

: و يأتى دور التكهنات

* تفيد التقارير والتحليلات أن توقيت ضرب العراق سيكون خلال الفترة ما بين مايو وسبتمبر القادمين وأن الإثارة الأمريكية لموضوع إستخدام الأسلحة النووية يضرب كما عودتنا السياسة الأمريكية إلى أكثر من عصفور بحجر واحد ! فهو من ناحية سوف يؤدى إلى تقليل أثر رد الفعل العالمى إذا إضطرت أمريكا لإستخدامه تلاشيا لخسائر عالية فى الجنود الأمريكيين على الأرض فى حالة عدم تقديم كل من بريطانيا وتركيا القوات التى تلعب دورا مماثلا لدور " قوات التحالف الشمالى " فى أفغانستان وفقا للحسابات الأمريكية , ومن ناحية أخرى سوف يعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لإستخدامه ضد العراق أو إيران حتى عند مجرد الإشتباه فى التهديد ! و قد نشرت جريدة البيان الإماراتية خبرا عن صحيفة "كول هعير" العبرية ذكرت فيه ان الجيش الاسرائيلي تدرب مؤخراً بكثافة على نشر شبكة صواريخه النووية تحت الاسم السري "عامل الدومينو" استعدادا لاحتمالات تعرض اسرائيل لهجوم صاروخي في حالة توجيه ضربة أمريكية للعراق , وتحقيقا لهدف ثالث وهو جزء من الحملة النفسية التى تسبق العمليات العسكرية , أما العصفور الرابع فهو مجرد التذكير بدور هذا السلاح فى حسم المعارك وتحقيق الإنتصار الكامل والسريع كما حدث مع اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية فى "هيروشيما" و "نجازاكى" ردا على تدمير الطائرات اليابانية للأسطول البحرى الأمريكى فى "بيرل هاربر" , ثم أخيرا وضمنيا التقرير بإستخدام هذا السلاح فى المراحل التالية من حرب قيام " الإمبراطورية البوشانية " دون الحاجة إلى إعادة الإعلان عن ذلك طبقا لقاعدة " حذف المعلوم للعلم به " ! .
* ستكون تركيا لاعبا رئيسيا فى هذه الضربة و ما يستتبع ذلك من نصيب فى الكعكة متناسبا مع الدور ! على الرغم من التصريحات التركية الرسمية التى لا تؤيد ضرب العراق والتى تغيرت كثيرا بعد زيارة شينى بزعم أنه قدم الدليل الدامغ على تورط العراق فى إمتلاكه أسلحة الدمار الشامل .
* قيام تحالف تركى إسرائيلى قوى يلعب دور الذراع الأمريكى وصمام الأمان فى المنطقة و لتحجيم دور إيران التى تمثل مصدر الخطر الوحيد على إسرائيل ! .
* أثناء العمليات العسكرية على العراق وبمجرد تحطيم قدرة العراق على الرد يكون المناخ مثاليا لشارون كى يبدأ فى تنفيذ حلمه الكبير وإجتياح مناطق السلطة الفلسطينية و الضغط العسكرى الوحشى على المدنيين والترحيل الجماعى إلى الأردن فيما يعرف بـ " الترانسفير " وهو الشعار التى تردده الآن حركة " موليدت " الإسرائيلية تحت شعار " الترانسفير وحده هو الذى يجلب السلام " ثم يبدأ شارون فى تبادل لبعض الأراضى وإنهاء عملية الفصل الأحادى حتى عرب 1948 لن يكونوا بمنأى عن ذلك بل هم المعنيون بالدرجة الأولى حيث يعتبرهم شارون وآخرون قنبلة موقوته داخل الكيان الإسرائيلى أما عرفات فعليه أن يختار المكان الذى سوف يقضى به فترة التقاعد هذا إذا نجا من التصفية الجسدية ! .

أما الجانب الآخر وهو الجانب العربى فى الحسابات الأمريكية فقد تم بالفعل تسويغه وتطويعه فالكبرى مصر تم مساعدتها على تجاوز محنتها الإقتصادية الطاحنة بالدفع المبكر لأقساط برنامج المعونة الإقتصادية و عن طريق " مؤتمر الدول المانحة " ثم إرسال الجنرال زينى إلى المنطقة عقب زيارة الرئيس مبارك لأمريكا - رغم أن تصريحات بوش نفسه تنفى الربط بين إرسال زينى والضغوط المصرية أو العربية -, أما السعودية فلها أن تتسلم شارة الكابتن فى السياسة العربية بمبادرة السلام المطروحة بالرغم من أثر ذلك على تعكير صفو العلاقات المصرية السعودية وذلك مقصود بالقطع ! خصوصا قبل القمة العربية , ورغم الإنشغال العربى الشديد بموضوع المبادرة فقد تم رفضها من قبل شارون مجرد طرحها وبدأ فى لعبة الإستنزاف السياسى وتبديد الجهد والطاقة العربية فى سفسطة بيزنطية حول التطبيع ومفهومه والنتيجة محدده سلفا وهى الرفض الإسرائيلى ! والواضح الجلى أن شارون مازال يعيش دور الجنرال الذى لا يستطيع العمل إلا فى ظل رائحة البرود والدخان و غاية أمنياته هى الوقوف على جماجم أعدائه ! , أما المبادرة السلمية التى تطرحها السعودية تتطلب وجود زعيم إسرئيلى يتحلى بصفات الزعامة الحقيقية من بعد نظر شديد وتفكير شمولى و سمو على الذات يتمثل فى تفضيل المصلحة الوطنية العليا لبلده على كرسى يشغله لبضعة سنوات أو مكاسب دعائية لحزبه ! وفوق كل ذلك قدرته على التنفيذ وحشد تأييد كل القوى فى إتجاه مايؤمن به و مثل هذا الزعيم غير موجود على الساحة الإسرائيلية فهل يغيب ذلك عن دهاة السياسة العربية ؟ أم أن المقصود من هذه المبادرة هو مجرد مناورة تكتيكية لكشف وإسقاط حكومة شارون ؟

: أما عن حالة الخصوصية

بالرغم من أن عبارة " المنعطف الخطير الذى تمر به أمتنا العربية " ظلت من فرط ترديدها بمثابة النشيد الوطنى لكل البلاد العربية طوال النصف قرن الماضية ! لدرجة أفقدت الشعوب العربية الإحساس بالمفهوم الحقيقى للخطر ! إلا أن نتائج الموقف الحالى الذى تعيشه المنطقة سوف يؤثر تأثيرا شديدا وممتدا لعدة قرون من الزمان ! على المنطقة العربية كلها ثم يمتد بعد ذلك إلى جميع بلاد المسلمين ! و لذلك فهو يتطلب تحفيزا غير عادى لجميع الهمم وتضافرا لكل الجهود فلا مجال الآن للتنافر إن الشعوب العظيمة تظهر صفاتها الحقيقية وقت المحن الشديدة و أنا كلى ثقة فى عظمة شعوبنا العربية و ما تختزنه من رصيد متراكم من القيم والأخلاق الإسلامية النبيلة التى تقودنا إلى بر الأمان دائما ويبقى فقط أن نستحضر فى أنفسنا ما غاب منها و نعمل على تفعيله .

إسلام العربى

23/3/2002